للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النموذج الثاني: ومن قوم موسى عليه الصلاة والسلام إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نجد نموذجًا للرجال حقق معنى الرجولة في أعلى معانيها، وعن هذا النموذج الثاني قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (١).

إنه نموذج للثبات على المبدأ، والإخلاص في الجهاد والطاعة والصدق مع الله في العهد، والوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم بالوعد حتى يقضي الرجال نحبهم.

أخرج البخاري في «صحيحه» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بنُ النَّضْر عن قتال بدرٍ، فقال: يا رسول الله!

غِبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن اللهُ أشهدني قتال المشركين ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يومُ أُحدٍ وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين. ثم تقدم فاستقبله سعدُ بن معاذ فقال: يا سعدُ بنَ معاذ! الجنّةَ وربِّ النّضْر إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صَنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتل، وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أختهُ ببنانه، قال أنسٌ: كُنَّا نرى -أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهِه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (٢)، إلى آخر الآية (٣).

إنهم حقًا نماذجُ للرجال في صدقهم وجهادهم في سبيل نشر دين الله ومقارعِة


(١) سورة الأحزاب: الآية ٢٣.
(٢) سورة الأحزاب: الآية ٢٣.
(٣) البخاري ح ٢٨٠٥، الفتح ٦/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>