للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ بطالٍ يرحمه الله موضحًا معنى المداراةِ والفرق بينها وبين المداهنة: «المداراةُ من أخلاق المؤمنين، وهي خفضُ الجناح للناس، ولينُ الكلمة، وتركُ الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظن بعضُهم أن المداراة هي المداهنةُ فغلط؛ لأن المداراةَ مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرمةٌ، والفرقُ بينهما: أن المداهنةَ من الدِّهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويسترُ باطنه، وفسرها العلماءُ - يعني المداهنة - بأنها معاشرةُ الفاسق وإظهارُ الرضا بما هو فيه من غير إنكارٍ عليه، والمداراةُ هي الرفقُ بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يُظهر ما هو فيه، والإنكارُ عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك (١). ألا ما أنفس هذا الكلام وأحرى للمسلم بالعمل به.

عبادَ الله: ولا يعني إشاعةُ المحبة بين الناس إضاعة الدين أو تذويبَ الفوارق بين المؤمنين والكافرين والمنافقين، كلا فمبدأ الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين عقيدة يحفظها المسلمون من كتاب ربِّهم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعمل بها المؤمنون، وهم يقرؤون: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} ... الآية (٢).

ويقرؤون قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (٣) الآيات. وقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٤).


(١) الفتح: ١٠/ ٥٢٨، ٥٢٩.
(٢) سورة المجادلة، الآية: ٢٢.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٥٥.
(٤) سورة التوبة، الآية: ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>