للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخطئ الذين يظنون أن بإمكانهم أن يدعوا للخير وينهوا عن الشرِّ ثم تسلم أعراضُهم .. أو لا يصيبهم ضرٌّ في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم، أو مصالحهم المادية بعامة .. وإذا لم يسلم الأنبياءُ والمرسلون فغيرُهم من باب أولى .. وصدق الله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (١).

ولكن عزاءَ الصابرين على الدعوة للخير أن العاقبة حميدة، فالعاقبة للمتقين، كما حكم ربُّنا، وأن ذلك من عزم الأمور كما قال تعالى في وصايا لقمان: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٢).

قال ابنُ عباس في تأويل ذلك: يعني من حقيقة الإيمان الصبرُ على المكاره (٣).

أيها الداعي للخير: وإذا أردت أن تروِّضَ نفسك على هذا الطريق فاقرأ قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (٤)، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومُه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفرُ لقومي فإنهم لا يعلمون» (٥). متفق عليه.

ولكن ذلك لا يعني بحال أن تُعرِّض نفسك للبلاء فوق ما تطيق أو تستحمل الخطأ، أو تُذل نفسك، فقد نهى عن ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا ينبغي لمؤمنٍ أن يُذلَّ نفسَه: يتعرض للبلاء ما لا يطيق» رواه أحمد والترمذي


(١) سورة العنكبوت: الآيتان ٢، ٣.
(٢) سورة لقمان، الآية: ١٧.
(٣) تفسير القرطبي، ١٤/ ٦٩.
(٤) سورة الذاريات، الآية: ٥٢.
(٥) البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: ٦/ ٥١٤، مسلم، كتاب الجهاد والسِّير غزوة أُحد: ٣/ ١٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>