لأحد المساجد، فقام فأنكر على الجاني، فضربه الأميرُ التركي بدبوس شجّ رأسه به، فذهب الإمام وغسل الدم وصلى بجماعته العشاء، فأخبرهم الخبر، وطلب الذهاب إليه مرةً أخرى، فخرجوا معه، فأخرج الأمير إليهم جماعةً من غلمانه فأخذوا يضربون الناس بعصيهم ودبابيسهم، وقصد الجاني الإمام من بينهم فضربه ضربًا شديدًا حتى أدماه - مرة أخرى - فرجعوا وهم في غاية الإهانة.
يقول الإمام الخياط: فلما رجعت إلى منزلي وأنا منهك من كثرة الدماء وشدة الوجع، لم تغتمض عيني بنوم، وجعلت أفكر في وسيلة ثالثة أستنقذ بها المرأة من ظالمها، فاهتديت إلى أن أُذن لصلاة الفجر في منتصف الليل، حتى يظن الأميرُ أن الفجر قد طلع فيخشى الفضيحة ويخرج المرأة قبل الفجر، فبينا أنا كذلك، وإذا برجالات وشرطة المعتضد يحيطون بي، ويأخذوني إلى الخليفة، فلما وقفت بين يدي المعتضد - وأنا أرتعد من شدة الخوف - قال: أنت الذي أذَّنت في هذه الساعة؟ قلت: نعم، قال: فما حملك على هذا وقد بقي من الليل أكثرُ مما مضى منه، فَتُغِرُّ بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرَهم، فقال: تؤمنني يا أمير المؤمنين؟ قال: أنت آمنٌ، فأخبره الخبر، فغضب الخليفة غضبًا شديدًا، وطلب إحضار الأمير والمرأة من ساعته، فبعث بالمرأة إلى زوجها، ثم أقبل على الأمير يسأله عن رزقه، وعدد جواريه وزوجاته، فذكر له شيئًا كثيرًا، ثم قال له: ويحك أما كفاك ما أنعم اللهُ به عليك حتى انتهكت حرمة الله، وتجرأت على السلطان، ثم عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته، فلم يُحر الأميرُ جوابًا، ثم أمر الخليفة به، فجُعل في رجله قيدٌ وفي عنقه غلٌّ، وأدخل في جوالق، ثم أمر به، فضرب بالدبابيس ضربًا شديدًا حتى خفت، ثم أمر فألقي في دجلة، فكان ذلك آخر العهد به، ثم التفت