للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق ما هو جبلِّي وما هو مكتسب (١).

ويقول القرطبي مشيرًا إلى ما في الخُلُق من جبلةٍ وما يمكن أن يكتسب: الخُلُق جبلةٌ في نوعِ الإنسان وهم فيه متفاوتون، فمن غلب عليه شيء منها إن كان محمودًا، وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محمودًا، وكذا إنْ كان ضعيفًا فيرتاض صاحبه حتى يقوى (٢).

وفي حديث الغزالي في «الإحياء» عن الأخلاق، عقد فصلًا في (بيان قبول الأخلاق للتغيير بطريق الرياضة)، ومما قاله: (فلو كانت الأخلاقُ لا تقبلُ التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ، والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسِّنوا أخلاقَكم»).

وكيف يُنكر هذا في حقِّ الآدمي، وتغييرُ خلق البهيمةِ ممكن، إذ ينقل البازيُّ من الاستيحاش إلى الأنس، والكلبُ من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، ولك ذلك تغييرٌ للأخلاق ... إلخ كلامه الطويل (٣).

عباد الله: ولو كان تقويم الأخلاق وتهذيبُها غيرَ مستطاع لكانت دعوةُ الشرائع إلى ذلك عبثًا لا طائل تحته - والشريعة الربانية تُنزَّه عن هذا، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولا يحملها ما لا تطيق، وقد حثت الشريعة على كريم الأخلاق، كما أنه صحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما العلم بالتعلم، والحِلْمُ بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطه» (٤).


(١) الفتح ١٠/ ٤٥٩.
(٢) نقله ابنُ حجر في الفتح ١٠/ ٤٥٩.
(٣) الإحياء: ٤/ ١٤٣٨، ١٤٣٩.
(٤) رواه الخطيبُ بسند حسنٍ عن أبي هريرة، انظر: الأشقر، نحو ثقافة إسلامية أصيلة: ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>