الناسُ على صعيد عرفات، وحين يبلغُ الزحامُ مبلغه في الطواف والسعي، ورمي الجمار، وقد تكون واحدةٌ من هذه المشاعر بدايةَ نقلِهِ إلى الآخرة، فكم من حاجٍّ في القديم والحديث قضى نحبه في مشاعرِ الحج ولم يعد إلى أهله.
٤ - ومن مقاصد الحج ومعانيه: ارتباطُ المسلمين بقبلتهم التي يولون وجوههم شطرَها في صلواتهم خمسَ مراتٍ في اليوم، ومع ارتباط الحجِّ بالصلاة، إذ الكعبةُ قبلتهم في الصلاة والحج، فالارتباطُ بالكعبة هنا سِرٌّ بديع يحققُ للمسلمين أصالتهم ويذكرُهم بتاريخهم العظيم، وينبغي أن يصرفهم عن التوجه إلى غربٍ كافر، أو شرقٍ ملحدٍ، وأن يُشعرهم هذا التوحدُ في الاتجاه في أركان الإسلام بالتوحدِ في الكلمة، والهدفِ، والقيم الخالدة، وذلك كلُّه مصدرُ قوةٍ وعزةٍ للمسلمين لو عقلوه وعملوا به.
٥ - وفي الحج إرهابٌ لأهلِ الكفرِ والضلال بهذا الاجتماعِ العظيم للمسلمين، فإنهم وإن كانوا مفترقين مختلفين، فإنَّ اجتماعهم في الحج وتوحدهم في المشاعر مؤشرٌ إلى إمكانية اجتماعهم وتوحدهم في غير الحج، واجتماع المسلمين وتوحدهم - لاشك - مقلقٌ للكفار مرهبٌ للأعداء لا سيما وموسمُ الحجِّ تبرز فيه المفاصلةُ التامةُ مع أهل الشرك والكفر ويُحظَرُ حضورهم لهذه المناسبة بأي شكل من الأشكال منذ نزول قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(١).
٦ - ومن أسرارِ الحجِّ ومقاصده تربيةُ النفوس على جملٍ من معاني الخير ومكارم الأخلاق، إذ تتدربُ نفسُ الحاجِّ على الصبرِ والتحمل، والصفح والعفو، والنفقةِ والبذلِ والإحسان، وتعليم الجاهل، والدعوة للخير، وهذه