للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاني والمكتسباتُ الخُلقية - ونحوها - يمارسها الحاجُّ ويحتاج إلى التعامل بها مع رفقته الأقربين، ومع سائر الحجاج من إخوانه المسلمين، وحريٌّ بمن كَسَبَ هذه الأخلاق في الحج أن يحافظ عليها بعد الحج.

٧ - ومن المعاني والأسرارِ اللطيفة في الحج: تعويدُ النفسِ على انتظارِ الفرجِ بعد الشدة، وفي الحجِّ درسٌ عمليٌّ، يقول: إن الشَّدةَ لا تطول، وإن الفرج بعد الضيق، وإن مع العسر يسرًا، ألا ترى الحجاج وهم يسعون بين الصفا والمروة يتذكرون ما مرَّ بأم إسماعيل من ضيق وشدة وما أعقبه من فرج وفضل ورحمة. بل ألا ترى الحاج يبصر - أحيانًا - شدة الزحام في المطاف أو المسعى أو رمي الجمرات، فيضيقُ صدره، وربما ظن أنه غيرُ مستطيع أداءَ هذا النسك، ثم لا يلبثُ إلا قليلًا ... وإذا بالضيق يخفُّ شيئًا فشيئًا، وبالشدة تذهب رويدًا رويدًا، وبالجموع المخيفة تَنْقَلُ، وبالرهبة تخفُّ حتى يؤدي المرءُ ما كان متهيبًا من أدائه من قبل، ولربما أضمر المرءُ حين الشدة أنه لن يحج بعد العام، فلما كان الفرجُ واليسرُ زال ذاك الهمُّ، وتبدل العهدُ والوعد، وهكذا تنتهي الشدائد وتُفرج الكربات، لا في مشاعرِ الحجِّ وحدها، بل وفي كلِّ مكانٍ وزمانٍ، وعلى المسلم ألا ييأسَ من رَوْحِ الله ... ولا يقنط من فضله ونصر أوليائه.

٨ - وفي الحج تذكيرٌ بقيمةِ الزمن وإمكانية استثماره في طاعة الله أمثلَ استثمار ... فالحاجُّ في برهة يسيرة من الزمن يحقق من الطاعات والقربات ما هو جديرٌ بتحفيزه على استمرار استثمار الوقت بما ينفع، فالوقتُ رأس مالِ الإنسان، والوقت أَجَلُّ ما يُصان عن الإضاعةِ والإهمال، ومن المؤسف أن تضيع أوقاتُ المسلم سُدًى، ولربما أمضى فترةً من عُمره وشطرًا من حياته في أمور لا تنفعه شخصيًا، وتخسر بها الأمة طاقةً من طاقاتها ... وفي الحجِّ ومناسكه وانتقال المرءِ فيه من عبادةٍ إلى أخرى ما ينبغي أن يشحذَ الهمم،

<<  <  ج: ص:  >  >>