للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهاك نموذجين لآثار التوكل على الله، قصَّ الله علينا خبرهما عن نوح وهود عليهما السلام، فقال عن الأول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} (١)، فهو لا يبالي بهم ولا بقوتهم وكيدهم، ولا يخاف معرَّتهم، وإن كانوا أشداء أقوياء، ما دام متوكلًا على الله، آويًا إلى ركنه.

وفي النموذج الثاني قال تعالى عن هود عليه السلام: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٢)، إنه بالتوكل على الله يتحداهم أجمعين ودون تأخير، ويقول: فكيف أخاف مَنْ ناصيتهُ بيد غيره، وهو في قهره وقبضته؟

عباد الله: إن الإيمانَ الحق يستلزم التوكلَ على الله: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (٣).

جاء في الأثر: «من أحبَّ أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحبَّ أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يديه، ومن أحبَّ أن يكون أكرمَ الناسِ فليتق الله» (٤).

أما العنصرُ الثالثُ من عناصر قوةِ المؤمن فهو تفويضُ الأمر لله بعد عمل


(١) سورة يونس، الآية: ٧١.
(٢) سورة هود، الآيات: ٥٤ - ٥٦.
(٣) سورة يونس، الآية: ٨٤.
(٤) ساقه ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} سورة الزمر، الآية: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>