للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجملةِ فقصةُ إسلامهِ وخبرُ مجيئِه إلى مكةَ جاءت في «الصحيحين» مطوّلةً .. ومن أحداثِها ودروسها - غيرَ ما سبق:

١ - أنه مكثَ بمكة قبلَ لُقياهُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ثلاثين ما بين يومٍ وليلة، وما كان له طعامٌ إلا ماءَ زمزم، ومع ذلك سَمِن منها، وما وجدَ على بطنه سَخَفَةَ جوعٍ - كما يقول - وحينها قالَ له عليه الصلاةُ والسلام: «إنها مباركةٌ، إنها طعامُ طُعْمٍ» أي يَشبعُ الإنسانُ إذا شربَ ماءها كما يشبعُ من الطعام (١).

فرقٌ بين من يُهاجرُ باحثًا عن الإسلام دون زادٍ ومأوى، ومتعرّضًا للشدائدِ واللأواء فيصبرُ ويبلغُ مقصَدَه، وبينَ من يولدُ وينشأ في الإسلامِ ثمّ لا تراه يصبرُ على بعضِ تكاليفِ الإسلامِ.

كان رضي الله عنه رأسًا في الزهدِ والصدقِ والعلمِ والعملِ، قَوّالًا بالحقّ، لا تأخذه في اللهِ لومةُ لائمٍ على حِدّةٍ فيه. كما قال الذهبي رحمه الله (٢).

٢ - وأبو ذرٍّ رضيَ اللهُ عنه لم يكن نموذجًا في الإسلام والثباتِ على الحقِّ في الظروفِ الصعبةِ فحسب، بل كان نموذجًا في الدعوةِ إلى الله، وفي رواية «الصحيح» أن أبا ذرٍّ حين أسلمَ انطلقَ إلى أخيه (أُنيس) فقال له: ما صنعت؟ قال أبو ذرٍّ: صنعتُ أني أسلمتُ وصَدقتُ، قال (أخوه): ما بي رغبةٌ عن دينِكَ، فإني قد أسلمتُ وصَدّقتُ، قال: ثم أتينا (أُمّنا) فقالت: ما بي رغبةٌ عن دينكُما، فإني قد أسلمتُ وصدَّقتُ، قال: فاحتملنا (يعني متاعَنا وأنفسَنا على إِبِلنَا وسِرْنا) حتى أتينا قومَنا (غِفارًا) فأسلمَ نصفُهم .. وقال نصفُهم: إذا قدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أسلَمنا، وصدَقوا، فلما قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أسلمَ نصفُهم الباقي.

أرأيتم آثارَ الصِّدقِ، ونتائجَ الدعوةِ من المخلصين، وإلا فأيُّ شيءٍ كانَ يملك


(١) رواه مسلم.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>