للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو ذرٍّ من العلمِ ووسائل الدعوة، وهو يُعَدّ حديثَ عهدٍ بالإسلام .. لكن وَضعَ وصيةَ الرسول صلى الله عليه وسلم نُصْبَ عينيهِ حين قال له: «هل أنت مُبلِّغٌ عنِّي قومَكَ؟ عسى اللهُ أن ينفعَهُم بكَ ويأجُركَ فيهم؟ » (١).

وكذلك يتداعى الخيرُ ويشيعُ الإسلامُ، وينتشرُ من خلالِ حركةِ المؤمنينَ ودعوةِ الصادقينَ .. فلم يكن الأمرُ قَصْرًا على غِفارٍ، بل أسلمَ بإسلامِهم (أَسْلَمُ) حين جاءوا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللهِ، إخوَانُنا - يعنونَ غِفارًا - نُسلمُ على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «غِفارٌ غفرَ اللهُ لها، وأسْلَمُ سالمَها الله» (٢).

أين الذينَ يحملونَ الإسلامَ كما حملَه أبو ذرٍّ .. وفي الأرضِ اليومَ أممٌ وشعوبٌ وقبائلُ وأفرادٌ تحتاجُ إلى الإسلامِ، كما احتاج إليه من قبلَهُم؟ وأين أثرُ الدُّعاةِ مع قبائِلِهم كما صنعَ أبو ذرّ مع قبيلتِه؟

وهل يا تُرى تتحققُ للدُّعاةِ نتائجُ كما تحققتْ لأبي ذرٍّ؟

كفاكَ فخرًا يا أبا ذرٍّ أن تكونَ سببًا في إسلامِ غفارٍ أولًا .. ثم تكونُ سببًا في إسلامِ (أسلَم) ثانيًا .. ثمّ تظلُّ بعد ذلك صاحبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يُبادركَ إذا حضرتَ، ويسألُ عنك ويتفقّدكَ إذا غبتَ.

٣ - والمتأملُ في قصةِ إسلامِ أبي ذرّ وشخصيته عمومًا، يدركُ أثرَ الإسلامِ في تغييرِ العادات والطبائعِ إلى الأحسنِ .. أجل إنّ غفارَ - التي ينتسبُ لها أبو ذرٍّ - كانت من الشِّدَةِ والبأسِ والقسوةِ ما جعلَها في طليعةِ القبائلِ القائمةِ على الغارةِ والنهبِ والسَّلْبِ، ولقد عَبّر عنهم الأقرعُ بن حابسٍ حين قالَ للرسول صلى الله عليه وسلم: إنما بايعَك سُرّاقُ الحَجيجِ من أسلمَ وغفار، فردَّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ردًّا أسكتَهُ.


(١) من رواية مسلم (٢٤٧٣).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٤٧٣) ٤/ ١٩٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>