للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك كلِّه فقد عفى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقبِلَ عُذرَه وإسلامَه، بل خلع بُردته التي كان يلبسها، فعرفت قصيدته تلك بـ (البُردة) وهي غيرُ البردة المنكرة للبوصيري (١).

أيها المؤمنون: ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم نبيُّ الهدى والرحمة، أعطاه الله اسمين من أسمائه فقال عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (٢)، وجعله رحمةً للأمة حيًا وميتًا، أما في حياته فكما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٣)، وقال عليه الصلاة والسلام: «حياتي خيرٌ لكم وموتي خيرٌ لكم» (٤).

أما رحمته للأمة بعد موته، فلِمَا رواه مسلم في «صحيحه» عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال: «إن الله عز وجل إذا أراد رحمةَ أُمةٍ من عباده قبضَ نبيَّها قبلَها، فجعله لها فَرَطًا وسَلَفًا بين يديها، وإذا أراد هلَكَةَ أُمةٍ عذّبها ونبيُّها حيٌّ فأهلكها وهو ينظر، فأقرّ عينَه بهلكتِها حين كذَّبوه وعصوا أمرَه» (٥)، إذًا فالرحمةُ حاصلةٌ بنبِّينا في حال حياتِه، وذلك لهدايتِه الخلقَ لسبيل الخير، وبعد مماتِه لتقدُّمه فَرَطًا لهم وعدم هلاكهم وفتح فُرصِ التوبة لهم. وقيل: إن رحمتَه لجميع الخلق: للمؤمن رحمةٌ بالهداية، ورحمةٌ للمنافق بالأمان من القتل، ورحمةٌ للكافر بتأخير العذاب (٦).

أيها المسلمون: وانقسم الناسُ في حياتِه ولا زالوا إلى ثلاثة أقسام: مؤمنين استجابوا لله والرسول إذْ دعاهم لِما يُحييهم، وهؤلاء جزاؤهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهارُ، لهم فيها ما يشاءون خالدين فيها.


(١) انظر القصيدة في ديوان كعب ص ٢١، وانظر بعضها في «زاد المعاد» ١/ ٩١.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٢٨.
(٣) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
(٤) رواه ابن مسعود بسند صحيح .. انظر هامش «الشفا» للقاضي عياض ١/ ١٩ (٢).
(٥) مسلم ح (١٧٩٢). وانظر «مختصر المنذري» (١٥٩٦).
(٦) القاضي عياض، «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» ١/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>