صعوبةً في تركِهم للاعتكافِ، وبعضُنا يمكنه أن يتعللَ بخشيةِ ضياعِ أولادهِ خلال اعتكافه .. ولستُ أدري أضاعت أبناءُ المسلمين الذين كانوا يرابطونَ في الثغورِ الشهورَ الطويلةَ، إنها حججٌ وتعلُّلاتٌ ضعيفة.
على أن العائقَ عند بعض الناسِ عن الاعتكاف قد لا يكونُ بالضرورةِ الحرصَ على الدنيا، ولكن عدَمُ توفرِ المسجدِ الذي يمكن أن يعتكفَ به، أو ما يجده من صعوبةِ في توفيرِ المطعمِ له، وهنا يَسهلُ الأمرُ؛ إذ يمكن توفير غرفة أو أكثر لا سيما في الجوامع، ويمكن كذلك أن يتولى محسنون أو هيئاتٌ خيرية توفيرَ المطعمِ للمعتكفين، وعلى أئمةِ المساجدِ أن يعنوا بهذه الأمورِ ويُعلنوا تسهيلَها للراغبين في الاعتكاف .. ومما يُذكر للمستودَع الخيري ببُريدةَ عنايتهُ في العام الماضي بالمعتكفين في مساجدِ بُرَيدةَ، وتقديمُه هديةً لكل معتكف، وعلمتُ هذا العام أن لديهم مبادرةً أخرى وذلك بتوفير مطبخينِ كبيرين، وسيُطبخُ فيها اثنا عشرَ كيسًا من الأرز، ومائةُ ذبيحةٍ أو مائةُ كرتونٍ منَ الدجاجِ، وذلك لخدمةِ المعتكفينَ في أيٍّ من مساجد بريدة، وعندهم استعداد للزيادة إذا اقتضى الحالُ، ويمكنهم كذلك إيصالُ الطعامِ إلى المساجدِ الراغبةِ في ذلك، هذا فضلًا عن استعدادِهم لتأمين الفرشِ اللازمة للمعتكفينَ في المساجدِ المحتاجةِ لذلك.
إنها بوادر خير تنبت في أرض الخير، وحين يُشكر المعنيون بها، فعلينا أن نستثمرهَا، وكم يُثلجُ صدورَنا حين نسمعُ عن أعدادٍ من الشباب تأوي إلى المعتكفِ، لتعكُفَ على تلاوةِ وحفظ أو مراجعة المحفوظِ من كتابِ اللهِ .. وذلك مؤشرٌ على أن الأمةَ بخير ما دامَ ذلك حالُ بعضِ شبابها ورجالِ مستقبلها .. وعسى أن يلتحقَ بركبِهم شبابٌ آخرون غارقونَ في لهوهِم .. قد لا يذهبونَ إلى المساجدِ أصلًا إلا في رمضانَ .. وقلوبُ العبادِ بين إصبعين من أصابعِ الرحمن يقلِّبُها كيفَ يشاء.