للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أبرزِ هؤلاء عبدُ الملك بنُ مروانَ وسليمانُ بنُ عبدِ الملكِ رحمه الله حيث جمعَ الجموعَ وحشدَ الحشودَ لغزوِ الروم، وشاركه الهِمةَ جماعةٌ من الفقهاءِ والمحتسبين، وهمَّ الخليفةُ سليمانُ بالإقامة في بيتِ المقدسِ لجمعِ الناسِ والأموالِ، ولكنه عَدَلَ عنها إلى (دابق) شمالًا (وهي قريةٌ قربَ حلب) وذلك ليكونَ أَقربَ إلى ميدانِ القتال، وليرفعَ من روحِ المقاتلين، بل لقد حَلَفَ ألا يعودَ حتى تُفتحَ القسطنطينيةُ أو يموتَ دون ذلك، وقد برَّ بيميِنه فمات هناك، قال ابنُ كثير: فحَصَلَ له بهذه النيةِ أجرُ الرِّباطِ في سبيل الله، فهو -إن شاء اللهُ- ممَّن يُجرى له ثوابُه إلى يومِ القيامة رحمه الله (١).

٦ - ومَسلمةُ بنُ عبدِ الملكِ، وعمرُ بنُ هُبَيْرةَ الفَزَاريُّ ومَسْلمةُ بنُ حبيبٍ الفِهْري وأبو يحيى البَطَّال وغيرُهم من قادةِ الجيوش، أو سائرِ رجالات الجيشِ الغازي .. كلُّ هؤلاء أبلَوْا بلاءً حسنًا وتحمَّلوا عناءَ السفرِ ومشقَّةَ الجهاد، ومنهم من قَضَى نحبَه شهيدًا صادقًا، ومنهم مَن انتظرَ مرابطًا صابرًا محتسبًا على صعوبةِ العيش وبَرْدِ الشتاء، ودونَكم هذه الروايةَ عن شاهدِ عِيانٍ تحكي شيئًا من معاناةِ المجاهدين هناك، يقول الذهبيُّ: قال محمدُ بن زيادٍ الأَلْهاني: غَزوْنا القسطنطينيةَ، فجُعْنا حتى هلكَ ناسٌ كثير، فإنْ كان الرجلُ يخرجُ إلى قَضاءِ الحاجَةِ، والآخرُ ينظرُ إليه، فإذا قام أقبلَ ذلك على رجيعِه فأكلَه (٢).

وهل تعلمونَ أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيز رحمه الله حين استُخِلفَ -بعدَ سليمانَ- وأَمرَ بعودةِ الجيشِ المرابطِ على أسوارِ القسطنطينية، لم يرجِعْ هذا الجيشُ إلا بعد تردُّدٍ، وكان رجوعُه استجابةً لمطلبِ الخليفةِ؟


(١) البداية والنهاية ٩/ ٢٠٥.
(٢) سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>