للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحذر- النبي صلى الله عليه وسلم أمته من تناسي هذه الشعيرة الكبيرة ويقول: «من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» (١).

أيها المسلمون ليس الجهاد مقصورًا على جهاد الأعداء في ساحات الوغى، فالجهاد باللسان وبذل الأموال في سبل الخير والتيقظ للثغرات في الداخل، وكشف النفاق وفضح المنافقين كل ذلك ضرب من ضروب الجهاد، حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (٢) واهتم له السلف الصالح حتى ظهرت السنة، وماتت البدعة وأخمدت نيران الفتن المشتعلة وقضوا به شطرًا من أوقاتهم.

وهذا العالم الفطن والصحابي النجيب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول (جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا) (٣) وإذا كانت ساحة المعركة في الخارج مكشوفة لكل أحد، فإن ميدان المعركة في الداخل، وإفساد المنافقين الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون لا يخفى على الواحد الأحد.

إخوة الإيمان استثمر السلف الصالح جزءًا من أوقاتهم في تفقد أحوال إخوانهم المسلمين، وقضاء حوائج المحتاجين، ولله درها من نفوس لم يلهها الغنى عن استشعار من يبيتون على الطوى، وتذكر من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يفزعون في النائبة ويطعمون المسكين والأرملة، وهاكم نموذجًا لهؤلاء، فأهل المدينة - كما تقول الروايات .. كانوا عيالاً على


(١) رواه أحمد ومسلم وغيرهما، صحيح الجامع ٥/ ٣٥٨.
(٢) حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، صحيح الجامع ٣/ ٧٩.
(٣) السير ١/ ٤٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>