للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذنبون لكلِّ عقوبةٍ توبةً، ولكلِّ ذنبٍ استغفارًا، ولكلِّ بليةٍ وبأسٍ رجوعًا إلى اللهِ وتضرعًا {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (١) ومنَ السَّفهِ أن يتمادى المرءُ في المعاصي، واللهُ يمدُّهُ بالنعمِ ويُجزلُ له العطايا، ومنْ مكرِ اللهِ أن يُستدرجَ به وهو لا يعلم، قالَ بعضُ السلفِ: إذا رأيتَ اللهَ يُنعمُ على شخصٍ، ورأيتَ هذا الشخصِ متماديًا في معصيةِ الله، فاعلمْ أن هذا منْ مكرِ اللهِ به وإنهُ دخلَ في قولهِ تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (٢).

لقدْ قصَّرَ المسلمون في محاسبةِ أنفسِهم، وفي تعظيمِ شعائرِ ربَّهم، وتجاوزوا الحلالَ إلى الحرام، وغلبتهمْ الشهواتُ، وتورَّطوا في مستنقعِ الشُّبهاتِ -إلا منْ رحمَ ربُّك- فكانَ تسليطُ الأعداءِ عليهم جزءًا منْ قدرِ اللهِ في عقوبتهِم .. فهلْ يا تُرى يدركونَ مكمنَ الخطأ، وهل يُراجعون أنفسَهم ويرجعوا إلى بارئهم؟

إنَّ اللهَ بحكمتِهِ ورحمتِهِ لهذهِ الأمةِ جعلَ عقوبتَهم على ذنوبِهِمْ ومعاصيهمْ بأنْ يُسلطَ بعضَهم على بعضٍ فيُهلكَ بعضُهمْ بعضًا ويسبي بعضُهمْ بعضًا، كما قالَ تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (٣).

روى البخاريُّ في «صحيحه» عنْ جابرٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: لما نزلتْ هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أعوذُ بوَجْهِك» {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال صلى الله عليه وسلم: «أعوذُ بوجهك» {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} قال صلى الله عليه وسلم: «هذه أهونُ وأَيسرُ».


(١) سورة الأنعام، الآية: ٤٣.
(٢) سورة القلم، الآيتان: ٤٤، ٤٥.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>