أيها المؤمنون: لا بدَّ من التعرُّفِ على اللهِ في الرخاءِ وشكرِه في السَّرَّاء، حتى يعرفَنا في الشدةِ ويصبِّرَنا على البلاءِ ويدفعَ عنا الأذى.
إنَّ الذي يُنصتُ إلى خطابِ الفِطرةِ في نفسهِ يسمعُ نداءً عميقًا يترجمُ الرغبةَ في معرفةِ من أسدى إلى نعمةَ الوجود .. إنهُ اللهُ الذي خلقَ فسوَّى وقدَّر فهدى .. وحركةُ الخلقِ هذه تحدَّى بها الخالقُ سبحاَنه كلَّ العالمين أن يخلُقوا ولو ذبابًا، ولو اجتمعوا له، أجلْ تقدَّسَ اللهُ وتعاظمَ وتحدَّى بالخلقِ فقال:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(١).
إنَّ تذكُّرَ العبدِ لقصةِ الوجودِ من عدم، والخلقِ بلا مثالٍ سابقٍ تدعوهُ للإيمانِ واليقينِ والشكرِ والاستقامةِ على الطريقِ المستقيم.
وقد قيل: إن الخلقَ مفهومٌ منْ أغربِ مفاهيمِ القرآنِ العظيم، ومنْ أكثرِها استعصاءً على الفهمِ والإدراكِ، وتأملْ أولَ الخليقةِ آدمَ -عليه السلام- وكيفَ خُلِق، ترى عجبًا ما بعدَهُ عجب .. فكيفَ صنعَ اللهُ منَ الطينِ بشرًا سوِّيًا يفيضُ جمالًا وحيوية، عجبًا عجبًا! !
وكيفَ كانتْ كُتَلُ الطينِ في جسمِ آدمَ تتحولُ إلى شرايينَ وشعيراتٍ دمويةٍ وعظامٍ ولحمٍ طري، عجبًا عجبًا! !