للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - مجاهدة النفس .. فالنفس صعبة المراس، وهي أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وهي أميل إلى العاجلة منها للآجلة .. ولذا يعين في التعبد مجاهدتها ومخالفتها ابتغاء نجاتها وطيب حياتها يقول ربنا تبارك وتعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ويقول ابن الجوزي رحمه الله: النفس مجبولة على حب الهوى فافتقرت لذلك إلى المجاهدة، والمخالفة ومتى لم تزجر عن الهوى، هجم عليها الفكر في طلب ما شغفت به فاستأنست بالآراء الفاسدة، والأطماع الكاذبة والأماني العجيبة، خصوصًا إن ساعد الشباب الذي هو شعبة من الجنون، وامتد ساعد القدرة إلى نيل المطلوب» (١) المجاهدة أمر رفيع القدر عالي المنزلة، قد تضعف أمامه صغار النفوس، ولا تعجز عنه نفوس الكبار، أرشد إلى المجاهدة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم واعتبره في طليعة الجهاد فقال: «المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل» (٢) واعتبر ابن عبد البر أن مجاهدة النفس أفضل من مجاهدة العدو (٣).

على أن مما ينبغي أن تعلم أن مجاهدة النفس وسط بين الإفراط والتفريط، فمن أرخى العنان لنفسه أهلكته، ومن ألجمها حتى عن المباحات والطيبات أضعف سيرها وقصر في واجبها، قال العالمون أعجب الأشياء مجاهدة النفس لأنها تحتاج إلى صناعة عجيبة، فإن أقوامًا أطلقوها فيما تحب فأوقعتهم فيما كرهوا، وإن أقوامًا بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها وظلموها ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}.

٣ - ومما يعين على التعبد تنويع الطاعات والترويح بين العبادات، حتى لا تمل النفس وتكل وحتى يكون للعبد أسهم متعددة في الخير، وطرق كثيرة


(١) (ذم الهوى/ ٣٦)
(٢) رواه أحمد (٢٣٩٩٧، وابن حبان (٤٦٢٤) وصحح الأرناؤوط سنده)
(٣) (الاستذكار ٨/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>