شاء الله أن يتجرد أهل غزة وحدهم في المعركة .. وأن يتحملوا وحدهم آثار الحصار من البر والبحر والسماء وعلى صدور أطفالهم وشيوخهم ونسائهم تجرب الأسلحة المسموحة والممنوعة وتشتعل الحرائق هنا وهناك أشلاء ودماء، وآهات وعبرات، ظلام دامس لا يضيؤه إلا نيران القنابل الفسفورية المضيئة ومصير مجهول لأكثر من مليون ونصف مليون يقولون ربنا الله شتاء قارس، وقلة في الأطعمة وندرة في المياة، وبين الأنقاض تسمع الأنين وعلى مرأى العالم كله نسجل الصورة ما تعجز عنه الكلمة ثم تتلاحق اللعنات على اليهود من المسلمين وغيرهم ومن عجب أن تسمع في ظروف المحنة أصوات التكبير للمقاتلين .. وترى وتسمع أصوات الشهادة للمحتضرين .. يا الله أتعود بنا الذاكرة لبدر والأحزاب .. واليرموك وحطين؟ وتذكرنا الفئة القليلة المؤمنة الصابرة المنازلة للعدو بقوله تعالى:{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}، وبقوله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.
شاء الله وقدر أن تبقى هذه الفئة المؤمنة المستضعفة وحدها في الميدان، ليعلم الناس أن النصر من عند الله، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين، وأن الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورآء الناس ويصدون عن سبيل الله، الله من ورائهم وبما يعملون محيط، ووقع الوعد الحق {فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
ومع فارق العدد والعدة ومع الحصار وقلة المعين لاحت بوارق النصر للمجاهدين في غزة. وكان النصر بهيجًا لأن القضية الكبرى (فلسطين) تهم المسلمين، ولأن المنهزم أشد عداوة للمؤمنين، ولهذا فلم تكن الفرحة لتضيء صدور وسماء فلسطين فحسب، بل كان بها متسع لإضاءة صدر وأرض كل مسلم