على أن الحديث عن الأنبياء والمرسلين يستلزم الحديث عن هداهم وطرائق دعوتهم فبهداهم يقتدي، وببصرة دعوتهم يستبين ويتبع إلا وأن من أعظم هديهم وأصول دعوتهم تحقيق التوحيد والدعوة إليه ونبذ الشرك وصرف الناس عنه.
بل إن لب دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام- وجوهر رسالات السماء هو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد عرض القرآن الكريم لدعوات الرسل مبرزًا هذه القضية العقدية بوضوح، فنوح يقول لقومه:{يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف: ٥٩].
وإبراهيم قال لقومه:{اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}[العنكبوت: ١٦].
وهود وصالح قالا لقومهما:{اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف: ٦٥، ٧٣].
والرسل جميعًا أرسلوا لهذه المهمة بنص القرآن:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: ٢٥].
وهذه الغاية في العبودية والوحدانية لله هي وصية الرسل والأنبياء لمن بعدهم:{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا}[البقرة: ١٣٣].
إن توحيد الربوبية والاعتراف بأن الله هو الخالق هو فطرة الكائنات من بني الإنسان والحيوان والجمادات، ولا مجال لإنكار هذه القدرة الربانية فهي كفلق الصبح، وكل ما في الكون من مواد وعناصر يشهد بأن له خالقًا ومدبرًا {فطرة الله التي فطر الناس عليها}{وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
ومؤرخوا الأديان مجمعون على أنه لم تكن هناك أمة أو جماعة إنسانية ظهرت وعاشت ثم بادت دون أن تفكر في مبدأ الإنسان ومصيره، وتفكر في