للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودونكم هذا المشهد لما بلغه خاتم المرسلين من الأذى حتى تذمر منه من ليس على دينه، وكره أن يشهد فصوله من لم يكن حينها من أصحابه .. ومع ذلك كان الأذى يحمل في طياته الفرج، والشدة تتمحص عن نصر مبين يقول جبير بن مطعم- قبل أن يسلم-: كنت أكره أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ظننا أنهم سيقتلونه لحقت بدير من الديارات، فذهب أهل الدير إلى رأسهم فأخبروه، فاجتمعت به، فقصصت عليه أمري، فقال: تخاف أن يقتلوه؟ قلت: نعم، قال: وتعرف شبهه لو رأيته مصورًا؟ قلت: نعم، قال: فأراه صورة مغطاة كأنها هو، وقال: والله لا يقتلوه ولنقتلن من يريد قتله، وإنه لنبي، فمكثت عندهم حينًا، وعدت إلى مكة وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فتنكر لي أهل مكة، وقالوا: هلم أموال الصبية التي عندك استودعها أبوك، فقلت ما كنت لأفعل حتى تفرقوا بين رأسي وجسدي، ولكن دعوني أذهب فأدفعها إليهم، فقالوا: إن عليك عهد الله وميثاق أن لا تأكل من طعامه، فقدمت المدينة، وقد بلغ رسول الله الخبر، فدخلت عليه فقال لي فيما يقول: إني لأراك جائعًا هلموا طعامًا، فقلت لا آكل خبزك، فإن رأيت أن آكل أكلت، وحدثته، قال: فأوف بعهدك (١).

فإن قيل إن هذه الرواية فيها ضعف لضعف راويها ابن لهيعة فإن الروايات الصحيحة في إيذاء المشركين للنبي والمؤمنين أكثر من أن تحصر. وأصح من ذلك وأبلغ قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠].

وفي النهاية انتصر الحق ومُكن للمستضعفين، وتهاوت عروش الظلم وانتصر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجًا.


(١) (معجم الطبراني ١٦٠٩، عن سير أعلام النبلاء ٣/ ٩٦، ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>