للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} فقالت طائفة: المعنى إلهجوا بذكر الله كثيرًا كما يلهج الصبي قائلًا «أبه أمه» فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك لهج المستغيث المستنصر.

وقالت طائفة أخرى: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات (من دية أو غرامة) ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.

وثمة معنى ثالث لطيف ما أحوج المسلمين في هذه الأزمان إلى تأمله فقد قالت طائفة إن معنى الآية اذكروا الله وعظموه وذبوا عن حرمه وادفعوا من أراد الشرك في دينه ومشاعره، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم وتحمون جوانبهم أو تذبون عنهم، وفي هذا المعنى قال أبو الجوزاء لابن عباس: إن الرجل لا يذكر أباه اليوم، فيما معنى الآية؟ قال: ليس كذلك، ولكن أن تغضب لله تعالى إذا عصي أشد من غضبك لوالديك إذا شتما» (١).

وسواء كان هذا أو ذاك فالمقصود من الآية - كما قال المفسرون- الحث على كثرة ذكر الله عز وجل، و «أو» هنا لتحقيق المماثلة في الخير، وليست للشك قطعًا، وإنما هي لتحقيق الخير عنه بأنه كذلك أو أزيد منه (٢).

إخوة الإيمان وحيث يرتبط الدعاء بالذكر فتأملوا هذا المعنى الدقيق الذي أشارت إليه الآية بقوله: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: ٢٠٠].


(١) (تفسير القرطبي ٢/ ٤٣١).
(٢) (تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>