للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير رحمه الله: أرشد تعالى إلى دعائه بعد كثرة ذكره، فإنه فطنة الإجابة، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه فقال: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}.

وهو المقصود التنفير عن التشبه بمن هو كذلك، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: «اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن» لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا فأنزل اللهم فيهم هذه الآية وكان يجيء بعدهم آخرون فيقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. فأنزل الله: «أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» عباد الله تأملوا كيف ترتبط الدنيا بالآخرة في نظر الإسلام وكيف يصحح الإسلام المفاهيم الخاطئة في هذا الدعاء الشامل الذي كثيرًا ما نردده بألسنتنا وقد لا تستحضره قلوبنا «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».

فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة ورزق واسع، وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين، وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرضات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام (١).

أيها المسلمون وهكذا ينبغي أن يستذكر الحجاج وغيرهم عظمة الله فيذكروه ويشكروه يذكروه ذكرًا كثيرًا ويسبحوه بكرة وأصيلًا .. يذكروه ذكرًا تطمئن به


(١) (تفسير ابن كثير ١/ ٣٥٥، ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>