المهم أنه بلغ أمةً من الأمم، ذُكر أنها كانت عظيمةٌ من بني آدم، وحين مكّنه الله منهم، وحكمهُ فيهم، وأظفره بهم خيره، إن شاء قتل وسبى، وإن شاء مّن أو فدى، فعرف عدله وإيمانه حين قال:{أَمَّا مَن ظَلَمَ} أي استمر على كفره وشركه بربه {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أي في الدنيا بنوع من العذاب، {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} أي في الآخرة، وفيه إثبات المعاد والجزاء {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} أي تابعنا إلى ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} في الدار الآخرة عند الله عز وجل، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} أي قولاً معروفًا.
وهذه غاية العدل، وقمّةُ العلم، وعلامة الهدى ودليل التمكين في الأرض دون جهلٍ أو استعلاء، وتلك تجربةٌ خاضها ذو القرنين، فما أفشى القتل جزافًا، أو استخدم البطش تجّبرًا وتسلطًا.
ومن مغرب الأرض إلى مشرقها يصل ذو القرنين، ويُمَكِّنُ الله له في الأرض، ويقهر الأمم، ويدعوهم إلى الله فإن هم أطاعوه وإلا أذلَّهم، وأرغم أنوفهم، واستباح أموالهم، واستخدم من كل أمةٍ ما يستعين به- بعد الله- ومع جيوشه على أهل الإقليم المتاخم لهم، وهكذا جاب الأرض، طولها وعرضها، في مدةٍ قال بنو إسرائيل: إنها بلغت ألفًا وستمائة سنة، والله أعلم.
ولما انتهى إلى مطلع الشمس، وجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترًا، قيل: المعنى أنهم كانوا يسكنون سهولاً شاسعةً، ولا يوجد عندهم جبال تحجب عنهم الشمس، وقيل كانوا لا يملكون بيوتًا أو أبنيةً تمنع عنهم أشعةَ الشمس وحرّها، وقيل: ما كانوا يملكون شيئًا يغطون به أجسادهم، وكانوا عُراةً فإذا أشرقت أصابتهم بأشعتها (١).