للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان صاحبها في غياهيب السجن، أو في جحيم العذاب، أو في شعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساكها، ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم وفي مراتع الرخاء، فمن داخل النفس برحمة الله تتفجر ينابيع السعادة والرضى والطمأنينة، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصيب والكدر والمعاناة .. إلى أن يقول رحمه الله: رحمة الله لا تَعزُّ على طالب في أي مكان ولا في أي حال، وجَدَها إبراهيم عليه السلام في النار، ووجدها يوسف عليه السلام في الجُبِّ، كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت، في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفلٌ مجرد من كلِّ قوة ومن كلِّ حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدوٌ له متربصٌ به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته} (١).

ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار، والقوم يتعقبونهما ويقصُّون الآثار .. ووجدها كلُّ من آوى إليها يائسًا من كل ما سواها، منقطعًا عن كلِّ شبهةٍ في قوة، وعن كلِّ فطنة في رحمة الله، قاصدًا أبواب الله وحده دون الأبواب). إلخ كلامه الجميل يرحمه الله (٢) ..

ألا ما أحوجنا إلى التأمل في كتاب ربِّنا، نستهلم فيه الأمنَ والإيمان يهدِّئ من روعنا، ويديم صلتنا بخالقنا، ويذهب قلقنا، وتستقيم معه حياتنا .. أجل لقد كان نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم يتمثل هذه المعاني ويحياها، يصبر على ما أصابه، ويثني على ربِّه، ولا ينسب الخير إلا له، وهو القائل: (والشر ليس إليك) (٣).


(١) سورة الكهف، الآية: ١٦.
(٢) الظلال، الآية ٢ من سورة فاطر.
(٣) جزء من حديث رواه مسلم، كتاب صلاة المسلمون (٧٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>