للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبلغها بعمله، فيبتليه الله بمصيبة فيرفعه الله بصبره عليها إلى هذه الدرجة العالية .. أفلا يسلي ذلك الصابرين؟ وقد يظلم نفسه، ويحملها من الأوزار ما يثقل كاهلها، فإذا ما ابتلاه ربه بمصيبة فصبر عليها، واحتسب أجروا كانت رفعة لدرجاته، ومكفرة لسيئاته، وفي صحيح مسلم: قال عليه الصلاة والسلام: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يُهمه إلا كُفِّر به من سيئاته» (١) وعند الترمذي: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة) (٢). وتأمل هذا الحديث: عن شداد بن أوس، رضي الله عنه، مرفوعًا (أن الله عز وجل يقول: إذا ابتليت عبدًا من عبادي- مؤمنًا- فحمدني وصبر على ما ابتليته به فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني قيَّدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له من الجر ما كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح) (٣).

٤ - ومما يعينك على الصبر، يا أخا الإسلام، النظر في مصائب الآخرين، والتسرية عن النفس بحال المبتلين من الأولين والآخرين. ففي النفس جزع يخفف منه معرفة آلام الآخرين، وفيها غفلةٌ يوقظها ذكر من هو أعظم منه بليَّة، وكم هو صالح للاعتبار ومخفف للمصاب أن نتذكر مصيبة عروة بن الزبير، يرحمه الله، حين ذهب إلى الوليد بن عبد الملك فأصابت رجلَه الأكَلَةُ، فلم يكن بد من قطعها، ثم فقد ابنه محمدًا في الرحلة نفسها حين ركلته بغلةٌ في إصطبلها فكان مما قال: (اللهم كان لي بنون سبعة وأخذت واحدًا وأبقيت لي


(١) مختصر صحيح مسلم للمنذري ح ١٧٩٨، ورواه البخاري وغيره، انظر (جامع الأصول ٩/ ٥٧٩).
(٢) جامع الأصول ٩/ ٥٨٤، وانظر عدة الصابرين ص ١٢٦.
(٣) رواه أحمد وغيره وهو صحيح (الصبر، أبو عبد الرحمن المصري/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>