للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعصية فيحجب نورَه، فيبقى صاحبُه في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله في عمل الصالحات انقشعت تلك السحب وعاد نورُ قلبه يضيء كما كان.

ولهذا قال بعض السلف: من فقه العبدِ أن يتعاهدَ إيمانَه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلمَ أيزدادُ إيمانُه أو ينقص؟ وإذن من فقه الرجل أن يبلغ نزغات الشيطانُ أنى تأتيه؟ (١).

أيها المسلمون مستحيل أن يسلمَ العبدُ من الذنوبِ والأخطاء، ولو شاءَ اللهُ ذلك لجعلَ في الأرضِ ملائكة مقربين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الخليفة في الأرض بشرًا يحقق العبودية لله في أرضه، يذنبُ فيستغفر ويخطئ فيتوب، ويذكر الله إذا نسي، ولقد نسي أبو البشر آدم ما عهد إليه ربه، وأزله وزوجه الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه، وأهبط إلى الأرض فكانت مستقرًا لهما ولذريتهما، واستمر الشيطان يوسوس لهم ويزين، ولم تقتصر وسوسةُ الشيطان على الفجار والمجرمين بل شملت المتقين، ولكن ميزة هؤلاء أنهم يتذكرون ويستغفرون فيبصرون {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (٢).

وهذا يعني أن الإنسان لا يمكن أن يستمر طيلة حياتهِ على الرقةِ والخشوع والبكاء إذ هو إنس مفتونٌ مُبتلى في هذه الحياة، وحسبُه أن يجاهد نفسه على الثبات على دين الله، وتجديد التوبة وكثرة الاستغفار، وألا يصحو على كبيرةٍ ولا يستخف بصغيرة، وعليه أن يتذكر إذا ذُكر.


(١) شرح نونية ابن القيم لابن عيسى ٢/ ١٤٠، ظاهرة ضعف الإيمان ص ٣٣.
(٢) سورة الأعراف، ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>