للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول عليه الصلاة والسلام: «ما من عبدٍ مؤمن إلا وله ذنوب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارقُه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمنَ خُلق مُفتنًا، توابًا، نسيًا، إذا ذكِّر ذكر» (١).

يُقال هذا حتى لا ييأسَ قساةُ القلوب من رقتها إذا تعاهدوا أنفسهم، وجاهدوا أهواءهم وشياطينَ الجنِّ، وإخوانهم الذين يمدونهم في الغيِّ ثم لا يقصرون، وحتى لا يقنط المسرفون على أنفسهم بالمعاصي من رحمة الله، فالله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب إليه واسترجع، ويقال ذلك حتى لا يداخل نفوسً الخيرين العجبُ بأعمالهم، ولذا قال ابن القيم رحمه الله: «فلولا تقديرُ الذنبِ هلك ابنُ آدم من العجب» وقال ابن الجوزي: «إن النفس لو دامت لها اليقظة لوقعت فما هو شرٌّ من فوتِ ما فاتها وهو العجبُ بحالها والاحتقار لجنسها .. ».

عباد الله إن تغييب الخاتمة عن الإنسان سرٌّ عجيب، وفيه حكمة بالغة وتدبير لطيف لأنه لو علم وكان ناجيًا أُعجب وكسل، وإن كان هالكًا ازداد عتوًا فحُجِب عنه» (٢).

عبادَ الله وإذا كان الفرق كبيرًا بين أهل اليقظة وأهل الغفلة فأهلُ اليقظة أنفسهم متفاوتون في سيرهم إلى الله، يقول الشيخ السعدنيُّ يرحمه الله: «سبحان من فاوت بين أهل اليقظة في قوة السير وضعفه، وفي استغراقِ جميعِ الأوقاتِ في العبادة وعدمِه، منهم من يكون سيرُه مستقيمًا في ليله ونهاره، ومع ذلك يتخيرُ من الأعمال أفضلها وأكملها، ولا ينزل من فاضلها إلى مفضولها إلا لمصلحة تقترن بالمفضول توجبُ أن يساويَ العملَ الفاضلَ، ويزيدَ عليه وقد


(١) رواه الطبراني عن ابن عباس، وهو في صحيح الجامع ٥/ ١٧٢.
(٢) معالم في السلوك ص ١٠٠، عن السلوم: إذاصح الإيمان ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>