على من حارب أهلَ هذه الصحيفة، والنصحَ والبر دون الأثمن ..
بل تضمنت بنودُ الوثيقةِ أن اليهودَ ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين (بنود ٢٤، ٢٧) إلى آخر بنود الوثيقة فهل التزم اليهود بالمعاهدة، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المعاهد؟
لقد كان يهودُ بني قينقاع أولَ يهودٍ نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم وَنقضِهم للعهدِ جاء بطريقة خسيسةٍ لئيمة، وأيًا ما كان أحدُ السببين أقوى سندًا من الآخر، ففي كليهما تتكشف أخلاقُ اليهودِ وحقدُهم على المسلمين.
أما السببُ الأضعفُ سندًا -وإن كان مشهورًا، فيشير إلى أن امرأةً مسلمة قدِمت بجلبٍ لها فباعتهُ بسوقِ بني قينقاع، وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغُ إلى طرفِ ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتُها فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديًا، فشدَّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهلُ المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشرُّ بينهم وبين بني قينقاع (١).
أما السببُ الآخرُ -في جلاء بني قينقاع- فقد رواه ابنُ إسحاق بسند حسنه ابنُ حجر، وهو يكشف عن غرورِ اليهود وعجبهم بأنفُسهم واحتقار غيرهم وإن لم يكن لذلك أثرٌ ورصيدٌ على صعيد الواقع، ويكشف كذلك عن حسدِ اليهود لأي نعمةِ تنزل بالمسلمين، فقد ذكرت كتبُ السير- في هذا السبب- أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين انتصر على المشركين في معركة بدر، رأى أن يجمع بني قينقاع
(١) السيرة لابن هشام ٢/ ٤٢٧، وانظر: من معين السيرة للشامي ص ٢٢٣، وقد نقل ضعفها، والعمري في السيرة ١/ ٣٠٠ كذلك، ومهدي ص ٣٧٠.