د- هذا النوع من العقيدة هو التوسل الشركي المبني عليه إشراك المشركين.
هـ- أن الشرك الأكبر الذي كان موجوداً في مشركي العرب في الجاهلية موجود في كثير من عبَّاد القبور اليوم "القبورية".
فهل يمكن بعد تصريحات ملك المتكلمين وسلطان المحققين لأحد من رعية هذا الملك أو أحد من جنود هذا السلطان أن يفسر "الألوهية" و"الإله" بالربوبية والرب؟!! أو ينكر وجود الشرك في المنتسبين إلى الإسلام من عباد القبور وأهلها؟! أو يقول معنى الألوهية بعينه معنى المالكية.
٢ - ٦ - قال العلامة السيد سند الشريف الجرجاني (٨١٦هـ) وحسن "الشبلي" "الجلبي" الفناري (٨٨٦هـ) وعصام الدين الإسفراييني (٩٥١هـ) وساجقلي المرعشي (١١٥٠هـ) والمحقق محمد بن حميد الكفوي (١١٧٥هـ) وكلهم حنفية ماتريدية - واللفظ للأول:"دون الوثنية، فإنهم لا يقولون بوجود إلهين واجبي الوجود ولا يصفون "الأوثان" بصفات "الإلهية"، وإن أطلقوا عليه اسم "الإله"، بل اتخذوها على أنها تماثيل الأنبياء، أو الزهاد، أو الملائكة، أو الكواكب واشتغلوا بتعظيمها على وجه العبادة توصلاً بها إلى ما هو إله حقيقة" (١)
قلت: هذا النص المهم الواضح لهؤلاء الماتريدية مشتملٌ على حق وباطل:
أما الحق فهو أمور ثلاثة:
أ- أن المشركين لم يعتقدوا في آلهتهم الباطلة أنها خالقة مدبرة للكون.
ب- أنهم عبدوا الأنبياء والصلحاء والملائكة والكواكب ليشفعوا لهم عند الله ويتوصلوا بهم إلى الله.
ج- أن أصل إشراكهم هو هذا التوسل الشركي.
وأما الباطل، فهو أمر واحد وهو زعمهم:
أن هؤلاء المشركين أطلقوا على آلهتهم التي عبدوها من دون الله، اسم "الإله" مجازاً لا حقيقة.
قلتُ: هذا باطل محض، والحق أنهم سموها "آلهة" على الحقيقة لا على المجاز لأنهم قد عبدوها على الحقيقة دون المجاز؛
فكانوا يدعونهم لدفع الضرر وجلب النفع، وينذرون لهم، ويسجدون لهم، إلى غير ذلك من أنواع العبادات الحقيقية التي كانوا يصرفونها لآلهتهم الباطلة ولا شك أن هذه عبادات حقيقية لا مجازية؛
فمن صرف له شيء من هذه العبادات الحقيقية - فلا شك أنه معبود حقيقة لا مجازاً، وقد تقدم أن "الإله" كل ما عبد سواء كان حقاً أم باطلاً.
فهذه المقدمات الأربع تنتج نتيجة حتمية واقعية،
وهي أن المشركين كانوا يطلقون اسم "الإله" على معبوداتهم إطلاقاً حقيقة لا مجازاً.
غير أن كل معبود سوى الله تعالى باطل لأنه لا يستحق العبادة أحد غير الله تعالى، فالله سبحانه وحده لا شريك له هو المستحق للعبادة.
وهو وحده تعالى منفرد بالألوهية.
والذي أوقع هؤلاء المتكلمين في هذا الباطل العاطل -
هو تفسيرهم للألوهية والإله، بالمالكيّة والرب والصانع.
فبنوا الفاسد على الفاسد والكاسد على الكاسد.
وزعموا: أن المشركين سموا من عبدوه من دون الله - آلهة مجازاً لا حقيقة. فلما انهار أساسهم الذي أسسوه على شفا جرفٍ هارٍ -
انهار بنيانهم الذي بنوه على هذا الأساس المنهار.
الحاصل: أن الماتريدية اعترفوا بأن المشركين لم يعتقدوا في آلهتهم من دون الله أنها خالقةٌ، مالكةٌ، صانعةٌ، مدبرةٌ، لهذا الكون، وأربابٌ لهذا العالم.
فبطل تفسيرهم للألوهية والإله، بالخالقية، والربوبية، والخالق والصانع كما فسد زعم الرستمي الفنجفيري أن معنى الألوهية معنى المالكية.
وثبت أن تفسيرهم هذا تعطيل لصفة "الألوهية لله تعالى، وتحريف لنصوصها.
(١) انظر ((شرح المواقف)) مع حاشية حسن الجلبي عليه (٨/ ٨٣)، و ((حاشية العصام)) على شرح التفتازاني على ((العقائد النسفية)) مع ((حاشية الكفوي)) على ((حاشية العصام)) (١٧٣) و ((نشر الطوالع)) للمرعشي (٢٣٩).