للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطل زعم الشيخ محمد بن علوي المالكي: أن المشركين لم يكونوا جادين في اعترافهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر لهذا الكون.

٨ - وقال الإمام ولي الله الدهلوي الحنفي رحمه الله (١١٧٦هـ) في تصوير عقائد مشركي العرب وبيان أن أصل إشراكهم بالله تعالى هو التوسل الشركي.

"والمشركون وافقوا المسلمين في تدبير الأمور العظام وفيما أبرم وجزم، ولم يترك لغيره خيرة، ولم يوافقوهم في سائر الأمور.

ذهبوا إلى أن الصالحين من قبلهم عبدوا الله وتقربوا إليه.

فأعطاهم الله "الألوهية".

فاستحقوا العبادة من سائر خلق الله.

كما أن ملك الملوك يخدمه عبده فيحسن خدمته.

فيعطه خلعة الملك ويفوض إليه تدبير بلدٍ من بلاده،

فيستحق السمع والطاعة من أهل ذلك البلد.

وقالوا: لا تقبل عبادة الله إلا مضمومة بعبادتهم.

بل الحق في غاية التعالي فلا تفيد عبادته تقرباً منه،

بل لابد من عبادة هؤلاء ليقربونا إلى الله زلفى، وقالوا: هؤلاء يسمعون ويبصرون، ويشفعون، لعُبَّادِهم، ويدبرون أمورهم وينصرونهم.

فنحتوا على أسمائهم أحجاراً، وجعلوها قبلةً عند توجههم إلى هؤلاء.

فخلف من بعدهم خلف فلم يفطنوا للفرق بين الأصنام وبين من هي على صورته، فظنوها معبودات بأعيانها، ولذلك رد الله تعالى عليهم تارة بالتنبيه على أن الحكم والملك له خاصة وتارة ببيان أنها جمادات ... " (١).٨ - وله رحمه الله أيضاً كلامٌ طويلٌ آخر قال في آخره: "وهذا مرض جمهور اليهود والنصارى والمشركين وبعض الغلاة من منافقي دين محمد صلى الله عليه وسلم يومَنا هذا" (٢).

٩ - وقد صوّر الشاه ولي الله أيضاً عقائد المشركين بمثل هذا النوع في مقام آخر من أن أصل إشراكهم كان مبنياً على التوسل الشركي وأنهم لم يعتقدوا في آلهتهم أنها خالقة صانعة لهذا الكون أو أنها مدبرة، مالكة على الاستقلال.

بل كانوا يقولون: إن نسبة الآلهة إلى الله تعالى كنسبة الوزراء والأمراء إلى الملوك والسلاطين.

حيث لا يتوصل إلى الملك إلى بوزرائه وأمرائه.

ثم قال: "وإن كنت متوفقاً في تصوير حال المشركين وعقائدهم وأعمالهم -

فانظر إلى حال العوام والجهلة من أهل الزمان.

خصوصاً من سكن منهم بأطراف دار الإسلام.

كيف يظنون "الولاية" وماذا يُخَيَّلُ إليهم منها ... ؟

ويذهبون إلى القبور والآثار، ويرتكبون أنواعاً من الشرك،

وكيف تطرق إليهم التشبيه والتحريف؟.ففي الحديث الصحيح: ((لتتبعن سنن من قبلكم، حذو النعل بالنعل)) (٣).وما من آفة من هذه الآفات إلا وقوم من أهل الزمان واقعون في ارتكابها معتقدون مثلها عافانا الله سبحانه من ذلك" (٤).

قلت: نصوص هذا الإمام صريحة بما يلي:

أ- أن مشركي العرب لم يكونوا معتقدين في آلهتهم من دون الله، أنها خالقة رازقة مدبرة مالكة لهذا الكون.

ب- أصل شركهم هو التوسل الشركي من قياس الخالق تعالى على ملك من الملوك الذين لا يتوصل إليهم إلا بواسطة وزرائهم وأمرائهم وقد أتوا من قياس الغائب على الشاهد وقياس الغني على الفقير، وقياس عالم الغيب على من لا يعلم الغيب، وقياس الحي القيوم القادر القائم على كل نفس السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية على مخلوق عاجز جاهل.

ج- أن المشركين لم يعبدوا الأحجار والأصنام لذاتها.

وإنما عبدوها لجعلها قبلة لأرواح الأنبياء والأولياء عندهم،


(١) ((حجة الله)) (١/ ٥٩، ٦١) ط السلفية و (١/ ١٧٧، ١٨٣) تحقيق سكر.
(٢) ((حجة الله)) (١/ ٥٩، ٦١) ط السلفية و (١/ ١٧٧، ١٨٣) تحقيق سكر.
(٣) رواه الترمذي بنحوه (٢٦٤١) وقال: غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه وقال الألباني ((صحيح الترمذي)) (٢٦٤١) حسن.
(٤) ((الفوز الكبير)) (ص ١٨ - ٢٠)، و ((ضمن إشارات الراغبين)) (ص٥ - ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>