للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قصدهم عبادة هؤلاء الأنبياء والصلحاء دون الأحجار.

د- أنه لم يكن قصدهم بالذات عبادة هؤلاء الأنبياء والصلحاء بالذات أيضاً وإنما كانوا يعبدونهم ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم عند الله سبحانه.

هـ- أن إشراك المشركين العرب موجود في كثير من المنتسبين إلى الإسلام، فنراهم يرتكبون أنواعاً من الشرك الأكبر من عبادة القبور وأهلها، كما هو مشاهدٌ محسوسٌ، وحقيقةٌ واقعيةٌ لا تهمة خيالية.

فهل يمكن لهؤلاء المتكلمين بعد تصريح هذا الإمام أن يفسروا "الألوهية" و"الإله" بالخالقية، والخالق، والربوبية والرب؟ والمالكية.

أو هل يمكن لأمثال محمد بن علوي المالكي: أن يقول: إن المشركين لم يكونوا جادين بل كانوا هازلين في اعترافاتهم بالربوبية!.

أو هل يمكن لهم أن ينكروا وجود الشرك الأكبر في كثير من المسلمين من عبادة القبور وأهلها؟.

أو هل يمكن لأحد أن يقول: إن مشركي العرب كانوا يعبدون الأحجار والأصنام؟.

أما نحن فنعظم الأنبياء والأولياء ونتوسل بهم إلى الله تعالى ونحو ذلك؟

أو هل يمكن لأحد أن يقول: إن المشركين كانوا يعتقدون في الأحجار والأصنام أنها أرباب؟.

أما نحن فلا نعتقد ذلك في الأنبياء والأولياء، وإنما نتوسل بهم إلى الله؟ كما يقوله كثير من أدعياء العلم من أئمة العبودية؛

فيرتكبون تحت ستار التوسل - أنواعاً من الشرك،

ويثبتون للأولياء - تحت ستار الكرامة - كثيراً من صفات الربوبية؛

١٠ - وقال العلامة المفسر محمود الآلوسي (١٢٧٠هـ) مفتي الحنفية ببغداد في تفسير قوله تعالى: وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ [يونس:١٨]:"ونسبة الشفاعة للأصنام قيل باعتبار السببية، وذلك لأنهم - كما هو المشهور - وضعوها على صور رجال صالحين ذوي خطر عندهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادتها فإن أولئك الرجال يشفعون لهم ... " (١).

قلتُ: هذا النص واضح لا يحتاج إلى تعليق وكأنه نقله عن الإمام الرازي، فإن هذا النص مثل نص الرازي كما تقدم قريباً.

١١ - وقال الآلوسي رحمه الله أيضاً في تفسير قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف:١٠٦] "قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة، والشعبي، وقتادة: "هم أهل مكة، آمنوا وأشركوا، كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكاً تملكه وما ملك ... " (٢).

ثم قال: " .... يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلاً، وكان مرتكباً ما يُعَدُّ شركاً كيفما كان. ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله أعلم بحاله فيها، وهم اليوم أكثر من الدود" (٣).

قلتُ: نص الآلوسي هذا لا يحتاج إلى تعليق فهو واضح، غير أنه صريح في أمرين مهمين.

الأول: أن المشركين كانوا يصرحون وقت التلبية بأن آلهتهم لا تملك شيئاً فهم ومعبودهم كلهم جميعاً ملك لله تعالى.

والثاني: أن عبدة القبور اليوم - على كثرتهم الكاثرة كالدود - من هؤلاء الذين يؤمنون بالله وخالقيته وربوبيته، وهم مع ذلك يرتكبون أنواعاً من الشرك الأكبر من عبادة القبور وأهلها.

فهل يمكن - بعد هذه التصريحات واعتراف المشركين بأن آلهتهم لا تملك - لأحد من الماتريدية أن يفسروا "الألوهية" بالربوبية، و"الإله" بالرب الصانع المالك المدبر لهذا الكون؟ أو بالمالكية؟.

أو هل يمكن لأحد أن يقول: إن الاعتراف بتوحيد الربوبية اعتراف بتوحيد الألوهية؟ والقائل بربي الله قائل بلا إله إلا الله؟.


(١) ((روح المعاني)) (١١/ ٨٨).
(٢) ((رواه مسلم)) (٢/ ٨٤٣)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) ((روح المعاني)) (١٣/ ٦٦ - ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>