للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - فقد رأت طائفة أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من الخونة السفاحين!

٢ - ور أي آخرون أن أول ما ينبغي هو اجتماع الكلمة واستتباب الأمور والتجلد حتى تتكشف ذيول المؤامرة ثم يكون استئصال شأفتها وقطع دابر دواعيها.

٣ - ورأت طائفة ثالثة أن الخليفة المظلوم لم يتحمل ذلك الحصار الآثم وينه أتباعه المؤمنين عن فكه إلا حرصاً على ألاتراق قطرة دم أو تثور أدنى فتنة بين أمة الإسلام، فالأولى بمن بعده جميعاً ألا يحركوا ساكناً وألا يكونوا طرفاً في أي نزاع - مهما بدت وجاهته - بل إن بعض من يرى هذا الرأي قد خرج من المدينة منذ أن أطلت الفتنة برأسها، وآثروا الابتعاد حتى تسكن العاصفة.

وكان في ثغور الجهاد وأطراف البلاد فئات لم تعلم عن سير الأمور شيئاً، فلما صدمتها الفاجعة أذهلها الألم عن التفكير، ووقاها بعد الشقة شر الخوض في الفتنة.

٤ - ونبتت فئة أخرى من أحداث الأسنان وضيقي الأفق الذين ترعرعوا في البداوة وولدوا من سلالة الأعراب ونشأوا على الجلافة فقالوا: إن نزول عثمان عن مرتبة الشيخين مبرر كاف لقتله، وإنه ما من إمام إلى قيام الساعة لا يسير سيرتهما إلا استوجب الخلع أو القتل. أما الفئة الآثمة المتآمرة فقد عادت إلى أوكارها واندست في صفوف الأمة تستجمع قوتها وتخطط للمرحلة التالية مدفوعة بيقينها أن أي اجتماع للأمة فإنه سيتقاضى رؤوسها الفاجرة. (١) وأدرك بعض من شارك في الفتنة وخدع بمطلب المتآمرين صدق ما روي في الحديث:" عليكم بالجماعة، فإن ما تكرهونه في الجماعة خير مما تحمدونه في الفرقة" (٢).فقد كان غاية ما نقموا على أمير المؤمنين عثمان أنه حمى الحمى, وأتم الصلاة في السفر بمكة, وآثر أقرباءه, وتوسع في الإنفاق من بيت المال والفيء (٣).

فماذا كانت نتيجة الفتنة ومآل الأمة بعدها في الآجل والعاجل؟

لقد ثلم حمى الإسلام نفسه، وهدمت مساجد وثغور، وتولى الأمور من لا يساوي بالنسبة لأولئك الأقرباء شيئاً، وأصبح بيت المال بيت مال الملوك والسلاطين.

وكان ما كان من أمور لا نملك معها إلا أن نقول: قدر الله وما شاء فعل.

ولما كان الجانب الذي يهمنا الآن من هذه الفتنة هو ما يتعلق بظهور فكر المرجئة، فسوف نستعرض موقف الفئات التي كان لها أثر في نشأة الإرجاء إما على الحقيقة وإما على الادعاء.

إن الإرجاء من حيث هو موقف نفسي يمكن أن يوجد في الفتنة العمياء وما تلاها، كما يمكن أن ينشأ في أي قضية مماثلة، فإن من سنن الاجتماع أن أي نزاع يشجر بين طائفتين قد يفرز فئة ثالثة محايدة - لأي سبب من أسباب الحياد- وهكذا وجد في عصر الفتنة الأولى وما تلاها أناس اتخذوا هذا الموقف "الحياد" في الجملة، ولكن شتان بين قوم وقوم، وإن كان موقفهما في الظاهر سواء.


(١) وقد ظهرت آثار ذلك في احباط محاولة الصلح يوم الجمل، وتأسيس الفكر الشيعي السيء، ثم برزت بوضوح في فتنة كذاب ثقيف المختار ابن أبي عبيد.
(٢) سنده ضعيف، لكن له شواهد ولا شك أن معناه صحيح. انظر: ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٢٢٢).
(٣) وهذه الأمور: إما أن الحق فيها معه رضي الله عنه صراحا، وإما أنها مسائل اجتهادية فليس اجتهاد غيره بأولى من اجتهاده – لا سيما وهو خليفة الأمة وطاعته ترفع الخلاف-، وإما أن يكون حاصل منه - غفر الله له – بعض التجاوز في شيء من هذه الأمور الفرعية، فماذا يساوي ذلك إلى جانب سابقته وفضله وعظيم قدره عند الله، وقد ارتكب حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه ما هو أكبر من ذلك بكثير، ومع هذا ثبت النص في عذره وعدم مؤاخذته بل ودخوله الجنة رأسا لأنه من أصحاب بدر، وأين حاطب من عثمان؟ انظر: ((العواصم من القواصم))، و ((منهاج السنة)) (٣/ ١٧٣ - ٢٠٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>