للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن ذكر أمثلة لذلك من الشعائر؛ كالجمعة والأذان وصيام عاشوراء ورمضان، قال: "وبينما كان يؤسس الإسلام!! على أسلوب يقضي على الطقوس اليهودية والنصرانية، كان يقربه في الوقت نفسه من العروبة، فهو ما فتئ يعتبر نفسه الرسول المرسل للعرب خاصة!! فبدل القبلة، وأعلن أن مكة هي الحرم المقدس بدلاً من القدس، وشرع الحج إلى الكعبة، بل شرع تقبيل الحجر المقدس، وقبل مركز العبادة الوثنية في الإسلام، وأدخل الأعياد الوثنية الشعبية ... ".إلى أن يقول: "وهكذا فصل الإسلام عن اليهودية، وبدل بحيث يصبح ديناً عربياً قومياً (١) " ويذكر ما لا يطاق ذكره مما أسماه الإرهاب الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم ضد اليهودية، وأنه تعلل بحجج واهية ليمحو اليهود من الجزيرة، ويورث أملاكهم ومزارعهم إلى المهاجرين- الذين كانوا بزعمه يعتمدون على الغزو - لأنهم حرسه الخاص .. في كلام يكشف عن حقد يهودي أسود.

ومن هذا المنطلق يتحدث عن الإرجاء والمرجئة، فيجعلها إنسانية تطالب بالعدالة والمساواة للشعوب التي استعمرها الفاتحون المسلمون.

ويذكر أن الإسلام انقسم بسبب هذه المسألة قسمين: محافظ، وهو الذي يحترم الجماعة ويؤيد الوضع القائم، وثائر، ومن الثائر: المرجئة والخوارج والشيعة. ويقول: "والمرجئة هم بالحق أكبر أهمية، وكان لهم بقيادة الحارث بن سريج أثر ضخم في التاريخ" (٢)!!

ويقول: "لو كان الحارث في الأزمنة الأولى ثورياً تقياً لعد خارجياً، لكنه لم يلزم نفسه بالشروط القاسية التي يبني عليها الخوارج عقيدتهم، إنما ابتدأ مرجئاً، وكاتبه جهم بن صفوان أشهر عالم من علماء تلك الفرقة، واشترك هو بنفسه في الأحاديث والمناقشات المتصلة بالمذهب. والإرجاء في الواقع سياسة في جمع الشمل، فالمسائل المختلف عليها استبعدت وتركت لحكم الله، لا سيما تلك المسألة الدائمة التي لا تحل، والتي تتصل بمن هو الإمام الحق الوحيد!! ومن ثم طرقت النقاط التي يمكن الوصول إلى اتفاق فيها على اختلاف نزعات المناوئين المتدينين، وكان ذلك احتجاجاً باسم حكم الدين على الطغيان الواقع، وباسم الشرع المقدس على سوء العدالة وعلى القوة" (٣).

ويستمر في كلام خلاصته: أن المرجئة حركة ثورية ضد طغيان المستعمرين الفاتحين، ولهذا وسعت مفهوم الإيمان ليقبل جميع الشعوب المضطهدة، لكي تكون يداً واحدة على الشعب الفاتح.

وما قرره" فان فلوتن" و "ويلهاوسن" لخصه أحمد أمين وشريكاه، وهذبوه من الكلمات الصريحة، وقدموه على أنه فكرة سليمة محايدة، وقد نقلنا بعض كلامهم. وعن أحمد أمين نقل الشيخ أبو زهرة (٤)، ونعمان القاضي (٥)، وألبير نصري نادر (٦)، وعن أبي زهرة نقل كثير من الباحثين ثقة منهم في الشيخ. بل قل من كتب عن الحارث بن سريج إلا وينقل عن فلوتن، حتى أساتذة التاريخ (٧)!!

٣ - ومنهم المستشرق اليهودي الحاقد "جولد زيهر":


(١) الدولة العربية وسقوطها، (ص ٢٣ - ٢٤) ترجمة يوسف العش، دمشق، ١٣٧٦ هـ
(٢) (ص ٣٩٤)، وهذه المبالغة يعرف كذبها كل مطلع على التاريخ.
(٣) (ص ٣٦٨)
(٤) انظر: ((المذاهب الإسلامية)) (١/ ١٣٣)، والنقل يكاد يكون حرفيا، لكن بدون إشارة للمصدر.
(٥) انظر: ((ص ٢٧٢ – ٢٨٢)) من كتابه: ((الفرق الإسلامية في الشعر الأموي))، عدا ما صرح فيه بالنقل عن أحمد أمين.
(٦) ((الفرق الكلامية))، فصل " نشأة المرجئة "، الطبعة الكاثوليكية، بيروت.
(٧) مثل الدكتور جمال الدين سرور في كتابه: ((الحياة السياسية في الدولة العربية الإسلامية))، انظر: (ص ١٦٦)، وفاروق عمر، وسيأتي كلامه أعلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>