للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يتميز بمهارة فائقة في الدس والتزوير والافتراء، وهو يذهب إلى أن المرجئة من أهل السنة والجماعة، وتبعه على ذلك مقلدون كثير، ورأيه هذا يبدو فيه العمق وبعد الهدف الخبيث أكثر من صاحبيه. وعلى هذا سار "فاروق عمر"؛ الذي ينقل عنه - مقراً مؤيداً-: "لم يكن مذهب أهل السنة والجماعة في بدايته إلا فكرة غامضة مرنة تتسع لكثير من الجماعات، وبعد المحنة التي عركت الأمة الإسلامية أثناء الحرب الأهلية الأولى وما جرى في أعقابها، بانت الخصائص الأولى لمذهب أهل السنة، حيث انقسم المسلمون إلى فئتين تمثل الأولى" دين عثمان"، وتمثل الثانية" دين مروان" ... " (١).والعجيب أن هذا المؤرخ العربي- مع إقراره بهذه الفكرة وبالقسمة المضحكة التي قسمها "جولد زيهر"- ينقل أيضاً وجهة نظر "فلوتن" في موضع آخر مؤيداً لها، ناسياً اختلاف نظرة كل من المستشرقين ومرماه البعيد، فيقول: "ولعل أبيات ثابت قطنة تشير إلى أن المرجئة ستظهر رأيها بوضوح في أعمال الجور والتعسف والفساد، ويؤكد "فان فلوتن" أن المرجئة كانوا لا يتحرجون عن قتال أية حكومة تقر مثل تلك المظالم" (٢).

وعلى هذا الرأي سار المؤرخ البعثي "شاكر مصطفى"، فهو أيضاً يعتبر المرجئة ضمن الاتجاهات التي تشكل ما يسمى: "السنة والجماعة"، ويسميهم المرجئة أهل الاعتزال الأول، ويصف هذه الاتجاهات قائلاً:"والصفة التي تجمع هؤلاء جميعاً بعضهم إلى بعض هي الوقوف بجانب الخلفاء الأمويين سياسياً في الأزمات، أو المهادنة لهم، والاحتفاظ بالرأي الديني في حيز الفكر، وعدم نقله إلى العمل الثوري" (٣).

ولا يخفى تناقض هذا مع ما قرره الآخرون من أن المرجئة حركة ثورية لها أثر ضخم في التاريخ. وعليه أيضاً سار الدكتور نعمان القاضي، حيث قال: "والمرجئة يشكلون كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية، مخالفين في ذلك الشيعة والخوارج، متفقين إلى حد ما مع طائفة المحافظين من أهل السنة، وإن كانوا كما يرى" فون كريمر" قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم أنه لا يخلد مسلم في النار" (٤).

وتطبيقاً لذلك ذكر الدكتور في الصفحة نفسها اسم سعيد بن جبير رضي الله عنه مع الحارث بن سريج، أي ضمن المرجئة الذين ثاروا على بني أمية، هذا مع غض النظر عن أن الثورة تتنافى مع الرضا الذي ذكر آنفاً فهو تخليط مركب. ومن أهم النتائج المترتبة على هذا: قول هؤلاء بأن المرجئة انتهت بظهور دولة بني العباس، سواء أكان السبب هو أن العباسيين يعتبرونها موالية للأمويين، كما يرى أحمد أمين ونعمان القاضي (٥)، ولذلك دمروها، أم على الرأي الأخبث الذي ذهب إليه شاكر مصطفي وفاروق عمر وهو أن الدولة العباسية تبنت رسمياً مذهب "أهل الحديث" فانمحت هذه الفرقة فيهم، ويستدل أصحاب هذا الرأي بأن كتب الحديث إنما ألفت في العصر العباسي (٦).

٤ - ومنهم المستشرق "فون كريمر":

وعنه نقل الدكتور القاضي- كما سبق آنفاً- أن المرجئة ألانت من شدة عقيدة أهل السنة والجماعة، باعتقادهم أنه لا يخلد مسلم في النار، ونحن نسأل الدكتور: وما هو مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك؟!


(١) ((العباسيون الأوائل))، (ص ٦٠).
(٢) ((العباسيون الأوائل))، (ص ١١٧).
(٣) ((دولة بني أمية)) (٢/ ٤٩).
(٤) ((الفرق الإسلامية في الشعر الأموي))، (ص ٢٧٠).
(٥) ((الفرق الإسلامية في الشعر الأموي))، (ص ٣٠٤).
(٦) انظر: ((العباسيون الأوائل))، (ص ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>