للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي كان أكثر دهاء وخبثاً حين تستر بالعمل العلمي البحت "فهرسة المخطوطات" لينسب الإرجاء إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، فهو يقول: "في أوائل الإسلام كان محور الجدل يدور أساساً حول المعصية أتبطل الإيمان أم - كما يقول المرجئة- لا تبطله؟ وفي تاريخ دمشق لابن عساكر .. ذكر عقيدة للمرجئة كان يدرسها محمد بن عقاشة الكرماني .. في البصرة عن سيفان بن عيينة .. عن وكيع بن الجراح .. عن عبد الرازق بن همام .. عن أمية بن عثمان" (١).لقد خان بروكلمان الأمانة العلمية حين أقحم كلمة المرجئة في نص مأثور من مصدر متداول مشهور، وخرج عن مهمته التي هي الوراقة والفهرسة، لينصب من نفسه حكماً عقائدياً (٢) في الخلاف بين فرق لا تنتمي إلى دينه، ولكن الحقيقة أنه متى سنحت فرصة للدس على الإسلام فكل مستشرق- أياً كان فنه - هو أستاذ متخصص!! على أن المؤلم - كما أشرنا- هو متابعة المقلدين من المنتسبين للإسلام، كما فعل المستشرق التركي"فؤاد سيزكين" الذي تابع بروكلمان على الخطأ نفسه (٣).وبالرجوع لتاريخ دمشق (٤) لن يجد القارئ هذه الكلمة، بل لا يحتاج الأمر لمراجعة، فهؤلاء المذكورون من جلة علماء السلف، ولو أن ابن عساكر نفسه نسبهم للإرجاء لكان هذا تهمة له هو. ويقع بروكلمان في خطأ آخر فادح حين يقرر أن الإرجاء إنما نشأ في الشام، في حين بقيت العراق متمسكة بتعاليم القرآن الأصلية، ويرجع ذلك إلى أثر النصارى الذين كان لهم مكانة عظيمة عند حكام بني أمية (٥)!! والحقيقة أنه لم ينفرد بذلك بل شاركه آخرون منهم "جولد زيهر"، وتبعهم مقلدون عرب في نسبة الإرجاء إلى بني أمية، وأصل هذا هو كتب الرافضة وبعض المعتزلة، وهو مخالف لما تواتر في أخبار المرجئة وأعلام رجالها من أنهم عراقيون (٦) - وسيأتي تفصيل ذلك- حتى لقد صرح بذلك الإمام الأوزاعي رحمه الله قائلا: "وقد كان أهل الشام في غفلة عن هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة" (٧).على أنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن بعض أتباع الأمويين كان لديهم إرجاء خاص بالملوك والخلفاء، وهو أن الله إذا ولى أحداً خلافة المسلمين كفر سيئاته بحسناته (٨)، والظاهر أن هذا رد فعل لغلو الشيعة ضدهم.

٧ - وهناك مستشرق آخر هو " نلِّينو":


(١) ((تاريخ الأدب العربي)) (٤/ ٢٢) مع حذف مصادر تراجم المذكورين التي ذكر
(٢) مثل قوله عن عقيدة عبدالله بن أباض إنها وهابية مع قوله: "إنه لم يظهر المذهب الوهابي قبل منتصف القرن السادس الهجري"!! (١/ ٢٥٧)، (مع ملاحظة أن الصحيح وهبية لا وهابية ولعل الخطأ من المترجم).
(٣) انظر: ((فصل العقائد من تاريخ التراث العربي)).
(٤) انظر: ((تهذيب تاريخ دمشق)) (٣/ ١٣٤) ترجمة أمية بن عثمان.
(٥) (١/ ٢٥٦)
(٦) كما سيتبين جليا من الفصول والمباحث التالية.
(٧) ((الشريعة)) للآجري، (ص ١٤٢)، واللالكائي (٢/ ١٥٤)، لكن في رواية الأخير سقطا لو تنبه له المحقق الأخ الدكتور أحمد بن سعد بن حمدان لجزم بما ذكرنا ولم يتردد.
(٨) انظر: ((منهاج السنة)) (٣/ ١٧٧). وهم يرون تبعا لذلك أن طاعة ولي الأمر مطلقة "أي رد فعل للخوارج والمعتزلة" لكن لم أجد أحدا نسب ذلك لأي من خلفاء بني أمية، فضلا عن معاوية رضي الله عنهالذي لا يجوز أن يظن به ذلك، إلا ما قيل من أن عبدالملك بن مروان سأل الزهري: أحق أن الله إذا ولى أحدا كتب حسناته ولم يكتب سيئاته؟ فأنكر الزهري ذلك مستدلا بآيات سورة (ص):يا داود إنا جعلناك خليفة ... وقال: فالنبي الخليفة أفضل من الخليفة غير النبي!!

<<  <  ج: ص:  >  >>