قال الإمام أحمد في كتاب الإيمان: "حدثنا أبو عمر قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة قالا: أتينا الحسن بن محمد، فقلنا: ما هذا الكتاب الذي وضعته؟ - وكان هو الذي أخرج كتاب المرجئة- قال زاذان: فقال لي: يا أبا عمر , لوددت أني كنت مت قبل أن أخرج هذا الكتاب، أو قال: قبل أن أضع هذا الكتاب" (١).
وروى الحافظ ابن عساكر والمزي (واللفظ له) بسنديهما عن عثمان بن إبراهيم ابن حاطب (٢) قال: "أول من تكلم في الإرجاء الأول (٣) الحسن بن محمد، كنت حاضراً يوم تكلم وكنت في حلقة مع عمي، وكان في الحلقة جحدب وقوم معه، فتكلموا في علي وعثمان وطلحة والزبير فأكثروا، والحسن ساكت ثم تكلم فقال: قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا نتبرأ منهم، ثم قام فقمنا.
فقال لي عمي: يا بني، ليتخذن هؤلاء هذا الكلام إماماً.
قال عثمان: فقال به (٤) سبعة رجال رأسهم جحدب من تيم الرباب، ومنهم حرملة التيمي تيم الرباب.
قال: فبلغ أباه محمد بن الحنفية ما قال، فضربه بعصا فشجه، وقال: لا تتولى أباك علياً؟!
قال: وكتب الرسالة التي نبت فيها الإرجاء بعد ذلك" (٥)
ويذكر ابن عساكر ما ذكره الإمام أحمد من توبته، وهو ما ذكره محمد بن سعد من قبل، حيث قال في ترجمته: "هو أول من تكلم في الإرجاء".
ثم روى "أن زاذان وميسرة دخلا عليه فلاماه على الكتاب .. " وذكر مثل رواية الإمام (٦).
على أن الحافظ ابن عساكر ينقل عن الدارقطني ما يؤيد ما ذكرناه عن الحسن، وهو أنه قال: "يا أهل الكوفة، اتقوا الله ولا تقولوا في أبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل، إن أبا بكر كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله به الدين" (٧).
والكوفة هي موطن التشيع، لا سيما في ذلك الوقت كما هو مشهور!
ويعقب الإمام الحافظ ابن حجر على كلام المزي بعد تهذيبه قائلاً: "قلت: المراد بالإرجاء الذي تكلم به الحسن بن محمد فيه، غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السنة المتعلق بالإيمان، وذلك أنه وقفت على كتاب الحسن بن محمد المذكور، أخرجه ابن أبي عمر العدني في كتاب له في آخره قال:
حدثنا إبراهيم بن عيينة عن عبدالواحد بن أيمن قال: كان الحسن بن محمد يأمرني أن أقرأ هذا الكتاب على الناس: أما بعد: فإنا نوصيكم بتقوى الله - فذكر كلاماً كثيراً في الموعظة والوصية لكتاب الله واتباع ما فيه وذكر اعتقاده ثم قال في آخره -: ونوالي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ونجاهد فيهما، لأنهما لم تقتتل عليهما الأمة، ولم نشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله .. إلى آخر الكلام.
فمعنى الذي تكلم فيه الحسن، أنه كان يرى عدم القطع على إحدى الطائفتين المقتتلتين في الفتنة بكونه مخطئاً أو مصيباً، وكان يرى أن يرجئ الأمر فيهما.
وأما الإرجاء الذي يتعلق بالإيمان فلم يعرج عليه أحد، فلا يلحقه بذلك عاب والله أعلم" (٨)
وكلام الحافظ في معنى الإرجاء الذي كتبه الحسن صحيح، وتدل عليه عبارة المزي "أول من تكلم في الإرجاء الأول"، وعلى هذا القيد يحمل ما نقله ابن عساكر عن الإمام أحمد، وما نقله هو عن ابن سعد وعن أيوب، من أنه أول من وضع الإرجاء أو تكلم فيه عدا من نقل عنهم المزي ذلك.
لكن ينبغي أن نستدرك على الحافظ رحمه الله: "فمعنى الذي تكلم فيه الحسن .. إلى قوله " فلا يلحقه بذلك عاب!! ". فالحق أن العاب يلحق الحسن، من جهة أن كلامه أعم مما خصصه به الحافظ، بل الروايات غير رواية العدني مصرحة بقوله في عثمان وعلي "فلا يتولوا ولا نتبرأ منهم".