ونفي الولاية عن الخليفتين مما يعاب ويبدع به صاحبه بلا ريب، كيف وقد ضربه أبوه وقال: لا تتولى أباك علياً؟ وندم هو على ذلك، ولا يكون الندم إلى على خطأ أو خطيئة.
وقد نص الحافظ ابن كثير على ما يغاير مفهوم الحافظ ابن حجر فقال عن الحسن: "كان يتوقف في عثمان وعلي وطلحة والزبير، فلا يتولاهم ولا يذمهم" (٩).
نعم لا يلحقه عاب بعد أن ندم وتاب.
أما الذي يلحقه العاب فعلاً فهم بعض المحدثين أو المعاصرين، الذين ضربوا بهذه النصوص العلمية عرض الحائط، واختلقوا أن الحسن - بل أباه محمداً من قبل - كان فيلسوفاً أو متكلماً، تعمد أن يؤسس مذهباً كلامياً يقاوم به الخوارج .. الخ، وعلى رأسهم الدكتور علي سامي النشار.
فقد عرض النشار تاريخ الفتنة ونشوء الفرق عرضاً لا يختلف عن عرض أي مؤلف رافضي أو معتزلي، وقد كانت مصادره فعلاً كذلك.
ويا ليته اقتصر على هذه المصادر، إذن لكانت كتابته شيعية واضحة، وسلم من التناقض العجيب الذي وقع فيه، حين يخلط كلام هؤلاء بكلام أهل السنة "بالمعنى العام للكلمة"، فيقرر في صفحة أو مبحث ما ينقضه فيما بعده، بل ربما تناقض في الصفحة الواحدة.
لقد أساء الدكتور النشار إلى التابعي الجليل محمد بن علي بن أبي طالب (محمد ابن الحنفية)، حين نسب إليه تأسيس مدرسة أو مذهب انبثق منه الاعتزال والإرجاء، وأنا أعجب من إساءة الدكتور إلى آل البيت رغم ما يظهره من تشيع شديد، فحين يصف أبا سفيان وابنه معاوية وبني أمية كلهم بالزندقة والجاهلية، والحقد الدفين على الإسلام كدين، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) , ويصف عثمان رضي الله عنه بأنه "شيخ متهاو متهالك، لا يحسن الأمر ولا يقيم العدل، يترك الأمر لبقايا قريش الضالة" (٢) .. إلى آخر هذه المفتريات فإن هذا يتمشى مع منهجه التشيعي الترفضي (٣)!!
أما حين يقرر أن العامل الاقتصادي هو أحد أسباب نشأة الفرق ويقول: "فقد كان الاقتصاد إلى حد كبير، أو بمعنى أدق شعور الطبقات المحرومة في عهد عثمان، داعياً إلى قيام التشيع، والتفاف جماهير كبيرة من الفقراء حول علي بن أبي طالب، وتمثل هذا بصورة صادقة حين سوى علي بين أغنياء الصحابة وفقراء المسلمين، مما دعا الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله إلى الانتفاضة ضد علي، وإثارة الحرب الأليمة ضده" (٤). فلا أدري على أي منهج يسير إلا منهج ماركس ولينين!!
ولنتابع كلام الدكتور بخصوص قضية الإرجاء مقتصرين على فقرات منه:
قال بعد الحديث عن الفتنة ونشوء الفرق من الشيعة وخوارج ومعتزلين الفتنة:
"وفي وسط هؤلاء المعتزلة عن الناس، ظهرت أول مدرسة فكرية في تاريخ الإسلام، وهي مدرسة محمد بن الحنفية الابن الثالث لعلي بن أبي طالب وأكثر أولاده علماً وسمتاً وفضلاً (٥)، وقد عبر عن هذه المدرسة باسم المكتب، ولم ينتبه الباحثون إلى أهمية هذه المدرسة الأولى، بالرغم من أهميتها، وبالرغم من أنها تفوق مدرسة الحسن البصري (٦) في آثارها في أفكار المسلمين حينئذ، ولم ينتبه الباحثون أيضاً إلى أن نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام إنما كان في المدينة حيث ازدهرت تلك المدرسة ولم يكن في البصرة" (٧).
ولم يشر الدكتور إلى أي مصدر عن هذه المدرسة الموهومة.
ثم تحدث عما لمحمد من أثر فكري، حيث تدعيه كل فرقة حتى الكيسانية والقرامطة، وقال: "ويهمنا الآن أنه كان في مكتب محمد بن الحنفية أو في مدرسته في المدينة ابناه أبو هاشم عبدالله بن محمد .. والحسن بن محمد".
ثم يذكر أقوالاً شيعية واعتزالية في أن أباهاشم هو مؤسس الاعتزال، ويقول: "فمنشئ الاعتزال طبقاً لهذه الرواية هي المدينة لا البصرة".