للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينتقل للحديث عن الحسن وهو الذي يهمنا هنا، قال: "أما ثانيهما، فهو الإمام الحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى سنة ١٠١ هـ، شخصية من أهم شخصيات الفكر الإسلامي الأول.

ويذكر عبدالجبار: لم يكن الحسن بن محمد بن الحنفية مخالفاً لأبيه وأخيه إلا في شيء من الإرجاء أظهره.

وقد كتب أول كتاب في العقائد في الإسلام (٨)، وهو كتاب في الإرجاء.

وكان أكبر تلامذته غيلان بن مسلم الدمشقي (١)، فقد حمل عنه الإرجاء في الشام، كما أن الإمام أبا حنيفة النعمان قد تأثر به، وإن لم يكن قابله وتتلمذ عليه، فقد نفذ إرجاء الحسن إليه وردده أبو حنيفة كما هو.

وقد كان لكتاب: "في الإرجاء" (٢) أثر كبير في العالم الإسلامي.

تلك هي المدرسة الإسلامية الفكرية الأولى، التي خرج أكبر رواد الفكر الإسلامي الأولين منها" (٣)

وبعد استطراد لا ضرورة له، كرر فيه القول بوصف خلفاء بني أمية بالجاهلية، والعمل لهدم الإسلام وتحطيمه .. إلخ, عاد إلى موضوع المكتب فقال: "وفي هذا المكتب، وفي المدينة نفسها، تبلورت الفكرة التي عرفت باسم القدرية .. كان معاوية يعلن الجبر في الشام .. ور أي محمد بن الحنفية وابنه أبو هاشم، وهما أصحاب البيت الذي سلب الحق، أن يعلنا في هدوء الفكرة المضادة: إنكار القدر وإنكار إضافته إلى الله" (٤)

وهو يؤيد هذه التهمة الخطيرة بأن معبداً الجهني الذي يكتبه الدكتور (الجهمي): "إنما كان تلميذاً وأثراً لمحمد بن الحنفية". (٥)

ويحاول الدكتور بمصدر وبدون مصدر أن ينسب كل الضلالات والبدع التي نشأت في القرن الأول - عدا الخوارج - إلى محمد بن الحنفية وابنيه، ظاناً أنه بذلك يرفع من قيمة آل البيت، حين يرجع إليهما فضل تأسيس ما أسماه الفكر الفلسفي الإسلامي!!

والواقع أن هذا بعينه هو ما تذهب إليه الشيعة، فهم لفرط جهلهم بما يعظم أهل البيت وما يشينهم، ولاعتقادهم تلك الضلالات ينسبونها جميعاً إلى علي من طريق نسبتها إلى ابنه محمد وابنيه، وهذا ما فعله صاحب (منهج الكرامة) من قبل.

وقد رد شيخ الإسلام على هذا الهراء بأنه من الممتنع أن يكون أبو هاشم واضع الاعتزال والحسن واضع الإرجاء, وكلاهما يأخذ ذلك عن أبيه, لأنهما مذهبان متناقضان، كما أن كلاً منهما قد نسب إليه الرجوع عن ذلك (٦).

وأعجب من ذلك أن النشار نفسه قال بعد حوالي عشر صفحات فقط: "نشأت القدرية إذن، واعتنقها كثيرون من المسلمين، خارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة منذ القدم، وقاومها أهل السنة والجماعة منذ القدم أيضاً". (٧)

فهل ابن الحنفية وابناه خارجان أيضاً عن أهل السنة والجماعة أم ماذا!!

إن هذه هي نتيجة الاستقاء من مصادر متناقضة دون تمييز.

والخوارج هي الفرقة الوحيدة التي سلمت من نسبتها إلى مكتب ابن الحنفية!! ولكن الحديث عنها جر إلى إلصاق الإرجاء الغالي الصريح بهذا المكتب, يقول النشار متابعاً حديثه: "لقد ضج المجتمع الإسلامي بالخوارج وبآرائهم ومع ذلك فقد كانت تلقى صدى في عقول الكثيرين فاستجابوا لها، ولم يعرف الخوارج "التقية" كما عرفها الشيعة فانقضوا على مخالفيهم يفشون فيهم القتل الذريع ووجدت دعوتهم في عدم إيمان المخالف أكبر صدى، ووجد الإمام الحسن بن الحنفية أن الذين قاتلوا جده مستندين إلى أصل ظاهره الصدق وباطنه الإفك "الحكم لله لا لعلي" ينشرون أصلاً آخر خطيراً لقتل المسلمين وهو أن لا عقد بدون عمل، فنفر لمجادلتهم وأعلن أنه لا يضر مع الإيمان معصية، وكان يكتب الكتب للأمصار ويعلنها للناس، وبينما كان منطق الخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر يجب قتله كان الحسن يعلن أن االطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإسلام حتى يزول بزوالها" (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>