والقضية التى لا ينبغى أن تفوتنا هى أن كلمة المرجئة في اصطلاح هؤلاء العلماء إنما تعنى هذا الإرجاء - أي إرجاء الفقهاء -، وظل هذا قائما حتى بعد ظهور الجهمية - كما سنرى - فكل ذنب أو عيب قيل في المرجئة فهو منصرف لهم وحدهم حتى منتصف القرن الثانى تقريبا، بل هو الأغلب على القرن الثالث، ولهذا نجد من المصنفين من لم يطلق اسم الإرجاء على سواهم؛ كابن عبدالبر في " التمهيد "؛ فإنه لم يذكر المرجئة الجهمية الأشعرية، ولعله تبع أبا عبيد في ذلك (٤).
ومن علماء السنة الكبار من فرق بين مسمى المرجئة ومسمى الجهمية؛ وذلك لأن المرجئة عندهم مبتدعة، والجهمية كفار (٥).
يقول الفضيل بن عياض:" أهل الإرجاء يقولون: الإيمان قول بلا عمل، وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل "(٦).
ويقول وكيع بن الجراح:" ليس بين كلام الجهمية والمرجئة كبير فرق؛ قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقلب، وقال المرجئة: الإقرار باللسان "(١).
وكذلك قال الإمام أحمد: قال حمدان بن علي الوراق: " سألت أحمد، وذكر عنده المرجئة، فقلت له: أنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن، فقال: المرجئة لا تقول هذا، الجهمية تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه وتعمل جوارحه، والجهمية تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر؛ إبليس قد عرف ربه، فقال: رب بما أغويتنى ".