للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنزاع على هذا لفظي إن شاء الله، وإنما غلو الإرجاء؛ من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض، نسأل الله العافية ".

ويبدو الخلاف بين هذه الأقوال غير مؤثر، فكلهم متعاصرون، وكلهم في بلد واحد، وقولهم في الإرجاء واحد.

ويستفاد من بعض الآثار أن للفكرة وجودا غير خاف، فهذا سالم بن أبى الجعد التابعى المحدث المتوفى سنة ١٠٠ هجرى أو حولها - كان له ستة بنين؛ " فاثنان شيعيان، واثنان مرجئيان، واثنان خارجيان، فكان أبوهم يقول: قد خالف الله بينكم " (٢)!! وهذا دليل على نمو البدع حينئذ لاسيما في الكوفة.

وهناك رجل آخر لا شك أنه من أوائل القوم الدعاة؛ وهو سالم الأفطس، وفيه قصة تستحق الإيراد، لا سيما وقد ذكرها مصدران متقدمان بسندين مختلفين هما: (السنة) لعبدالله بن أحمد، و (تهذيب الآثار) للطبري، كلاهما عن معقل بن عبيدالله الجزرى العبسي قال: " قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء (٣)، فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، وكان أشدهم ميمون بن مهران وعبدالكريم بن مالك، فأما عبدالكريم فإنه عاهد الله لا يأويه وإياه سقف بيت إلا في المسجد.

قال معقل: فحججت، فدخلت على عطاء بن أبى رباح في نفر من أصحابي، قال: فإذا هو يقرأ سورة يوسف، قال: فسمعته قرأ هذا الحرف حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ [يوسف:١١٠] مخففة.

قال: قلت: إن لنا إليك حاجة فاخل لنا، ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قال: فقال: أو ليس يقول الله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:٥].

فالصلاة والزكاة من الدين.

قال: فقلت له: إنهم يقولون: ليس في الإيمان زيادة. قال: أو ليس قد قال الله فيما أنزله: فَزَادَهُمْ إِيمَاناً [آل عمران:١٧٣]، فما هذا الإيمان الذى زادهم؟!

قال: قلت: فإنهم قد انتحلوك، وأبلغنى أن ذرا دخل عليك وأصحابه، فعرضوا عليك قولهم فقبلته وقلت هذا الأمر، فقال: لا والله الذى لا إله إلا هو ما كان هذا - مرتين أو ثلاثة.

قال: ثم قدمت المدينة، فجلست إلى نافع، فقلت له: يا أبا عبدالله، إن لي إليك حاجة، قال سر أم علانية؟ فقلت: لا، بل سر، قال: رب سر لا خير فيه!

فقلت له: ليس من ذلك، فلما صلينا العصر قام وأخذ بيدي، وخرج من الخوخة ولم ينتظر القاص، فقال ما حاجتك؟ قال: قلت: أخلني من هذا، قال: تنح يا عمرو، قال: فذكرت له بدو قولهم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا: لا إله إلا الله , فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقه، وحسابهم على الله)) (١). . قال: قلتُ: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلى، وأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل، قال: فنتر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر.

قال معقل: ثم لقيت الزهري، فأخبرته بقولهم، فقال سبحان الله!! أو قد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) (١).

قال: ثم لقيت الحكم بن عتيبة، قال: فقلت: إن ميمونا وعبدالكريم بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة، فعرضوا عليك قولهم، فقبلت قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>