للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا شأن الفرق المبتدعة، شأن الضلالات والظلمات لا تجسر على الخروج إلا عند ضعف شمس الحق، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل: دولة المهدي، والرشيد ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان، ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر، وأهل البدع أذل وأقل ... وفي دولة أبي العباس المأمون ظهر "الخرمية" (١) ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وراسل ملوك المشركين من الهنود ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة. فلما ظهر ما ظهر من الكفر والنفاق في المسلمين (٢)، وقوي ما قوي من حال المشركين وأهل الكتاب، كان من أثر ذلك ما ظهر من استيلاء الجهمية والرافضة وغيرهم من أهل الضلال، وتقريب الصابئة ونحوهم من المتفلسفة ... فتولد عن ذلك محنة الجهمية حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام أحمد وغيره ما جرى مما يطول وصفه" (٣).

خامسا – وقوع العداوة والبغضاء، وذهاب المحبة والألفة: إن من أصول الدين العظيمة، وقواعده المهمة التي هي من جماع الدين ما وصى الله به من تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين (٤).

ولكن يأبى أهل الفرقة والبدعة ذلك فما يزالون يهدمون الدين، ويفرقون قلوب المسلمين، ويوقعون بينهم العداوة والبغضاء بما يفعلونه من تفريق المسلمين شيعا وأحزابا، يقول الله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: ٣١ - ٣٢].

ولقد أخبر الله عز وجل عن حال أهل الفرقة والاختلاف من التنازع والشقاق الواقع بينهم، والذي هو مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، قال الله تعالى فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: ١٣٧]. وقال عز وجل: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: ٥٣].


(١) الخرمية فرقة من غلاة الشيعة.
(٢) وظهور ذلك يدل على وقوع الفرقة في الأمة لكثرة الطوائف فيها.
(٣) ((الفتاوى)) (٤/ ١٨ - ١٩) باختصار، والجهمية أصحاب الجهم بن صفوان.
(٤) انظر ((الفتاوى)) (٢٨/ ٣٣)، (٢٢/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>