للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: ٤٥ - ٤٦].فيا أيها المؤمنون أطيعوا ربكم ورسولكم فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، وَلاَ تَنَازَعُواْ أي: لا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم. فَتَفْشَلُواْ أي: فتضعفوا وتجبنوا. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي: تذهب قوتكم وبأسكم ووحدتكم، وتنقطع دولتكم، ويدخلكم الوهن والخلل (١)، والضعف عن جهاد العدو والانكسار له (٢).لذلك يوصيهم الله عز وجل بالصبر فيقول في ختام الآية: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والجيوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت المماليك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم تواب (٣).

إن القوة والنصر مع الوحدة والجماعة: وحدة الرأي، ووحدة القيادة، ووحدة القوة، وإن الهزيمة والفشل مع الفرقة والاختلاف وتعدد القيادات حتى لو كثر العدد.

مثال ذلك ما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله يقول: "لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ليمانعوا به أهل الشام، فلم يتم لهم ما أرادوه وحاولوه، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآراؤهم المختلفة المخالفة لأمرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم. وعن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون من سالمت، محاربون من حاربت، فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب؟ فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه" (٤). ثم كان ما كان من الصلح مع معاوية وتنازله عن الخلافة له، فرضي الله عنهم وأرضاهم (٥).

رابعا- خروج الفرق، وفشو الفتن والبدعما أن تتفرق الأمة، وتخالف أمر الله تعالى لها بالتزام الجماعة وسلوك الصراط المستقيم إلا وتقوى الفرق، وتخرج على إمام المسلمين، وتقاتل الجماعة، وتوقد معها الفتنة، وتنشر معها البدعة مما يزيد الأمة وهنا، والمسلمين بلاء، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((أنهم يخرجون في فرقة من الناس)) (٦)


(١) انظر ((تفسير الطبري)) (١٠/ ١١)، ((زاد المسير)) لابن الجوزي (٣/ ٣٦٥)، ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٣٠٣).
(٢) انظر ((تفسير الطبري)) (١٠/ ١٢).
(٣) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٣٠٣).
(٤) ((البداية والنهاية)) (٨/ ١٦ - ١٧) باختصار، وانظر مثال آخر (٨/ ١٢٩) منه.
(٥) ((البداية والنهاية)) (٨/ ١٦ - ١٧) باختصار، وانظر مثال آخر (٨/ ١٢٩) منه.
(٦) رواه مسلم (١٠٦٤) والبخاري (٦١٦٣) بلفظ على حين فرقة ..

<<  <  ج: ص:  >  >>