للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المسلم ينظر ويعتبر بما حصل من مفاسد عظيمة جراء الخروج على عثمان رضي الله عنه، ومفارقة الجماعة والإمام؛ فخرج عليه السفهاء الجهلاء حتى قتلوه شهيدا مظلوما رضي الله عنه وأرضاه. ولقد نبه عثمان رضي الله عنه وحذر الذين حاصروه يريدون قتله ونبههم على ضرر الفرقة فقال: "يا أيها الناس لا تقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلون جميعا أبدا، ولا تجاهدون عدوا جميعا أبدا، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه" (١).ولما قتل عثمان قال حذيفة بن اليمان: "والله لئن كان قتله خيرا ليحلبنها لبنا، ولئن كان قتله شرا ليمتصن بها دما (٢). وقال عبدالله بن سلام رضي الله عنهم يوم قتل عثمان: "اليوم هلكت العرب" (٣). وقال: "والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم من الله بعدا" (٤).ولقد امتصت الأمة الدماء بقتل عثمان رضي الله عنه، فبعد الرخاء والأمن بدأت الفتن تثور بين المسلمين وفي بلادهم، وبدأ القتال والتفرق يطحن في كيان الأمة، فجاءت وقعة الجمل، وأعقبتها صفين، وقتل من المسلمين خلق كثير، فقتل في الجمل قرابة العشرين ألفا، وفي صفين سبعون ألفا (٥). وما توالى على المسلمين من وقائع ونكبات أشد وأنكى.

وانظر كيف أشغلت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية والحاضرة بقتال الفرق الخارجية الشاقة لعصا الطاعة، وكم من الدماء سفكت لتسكين ثائرتها؟ وكم من الأموال أنفقت لإسكات هذه الفرق؟

إن زعزعة الأمن، وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع المسلم تنهك اقتصاده، وتبعثر طاقاته التي من المفترض أن تجتمع لإعمار الأرض بدين الله، والدعوة إلى توحيد المولى سبحانه، والجهاد في سبيله لإقامة الحق ورد الباطل.

فهل يكف هؤلاء المبتدعة أصحاب الفرقة عن مساعدة أعداء الإسلام على الإسلام وأهله؟ وليتقوا الله فيما يقومون به ويفعلونه من إذهاب قوة المسلمين، وإضعاف مواردهم. وليعودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسيروا مع الجماعة المسلمة على الصراط المستقيم لتكون صفا واحدا يعلو ويعلو ... ، ويرد كيد الأعداء، ويتذكروا قول المولى عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: ١٠٣].

ثالثا: الهزيمة والفشل

مما لا شك فيه أن الهزيمة والفشل تصيب الجماعة المتفرقة، المختلفة فيما بينها، والمعترضة على قيادتها، إذ كيف ينتصرون ويغلبون وهم لم ينتصروا بعد على هوى أنفسهم، ولم يغلبوا شيطانهم.

ولقد نبه المولى العزيز سبحانه عباده المؤمنين على ذلك، وأمرهم بالاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتحقق لهم النصر على عدوهم، ولكن إن أبو إلا التفرق والاختلاف فالضرر لاحق بهم من الهزيمة والفشل.


(١) انظر ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٣/ ٧١).
(٢) انظر ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٨٣).
(٣) ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٨١).
(٤) ((الطبقات الكبرى)) (٣/ ٨١).
(٥) انظر ((تاريخ خليفة خياط)) (ص١٨٦، ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>