للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذين القولين العمل غير النطق شطر كمال. ومقابله يجعل مجموع العمل الصالح والنطق هو الإيمان " (١).وزاد ذلك إيضاحا حين شرح قول الناظم: (والإسلام اشرحن بالعمل)، فقال: " والإسلام اشرحن حقيقته بالعمل الصالح، أعنى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، والمراد الإذعان لتلك الإحكام وعدم ردها، سواء عملها أو لم يعملها " (٢).!!

وشرح قوله في أركان الإسلام:

مثال هذا الحج والصلاة ... كذا الصيام فادر والزكاة

" والمراد أذهان المذكورات وتسليمها، وعدم مقابلتها بالرد والاستكبار" (٣).

وبهذا يظهر للقارئ في كلامه وجوه من التناقض يطول شرحها وتفصيلها.

وإن مما يظهر هذا التناقض وينفي احتمال الخطأ في فهم كلامه ما شرحه به المحقق محمد محيى الدين عبدالحميد، وها هي ذى نصوص منه:

قال في بداية كلامه، بعد أن ذكر المذاهب في الإيمان ومنها مذهب السلف:

" والذي تطمئن إليه النفس من هذه المذاهب أن الإيمان هو التصديق وحده، كما ذهب إليه محققو الأشاعرة والماتريدية، ويؤيد هذا المذهب وجوه:

[أحدها: - وقد أشار إليه الشارع - أن استعمال القرآن الكريم في عدة آيات واستعمال الحديث أيضا، جريا على أن محل الإيمان هو القلب.]

قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:٢٢].

وقال سبحانه: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:١٤].

وقل جل ذكره: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:١٠٦]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ثبت قلبي على دينك)) (٤) .. , فدلت هذه النصوص ونظائرها على أن الإيمان فعل القلب، وليس فعل القلب إلا التصديق.

ولا يجوز لقائل أن يقول: أن المراد في هذه النصوص بالإيمان هو الإيمان اللغوي، ويسلم أن الإيمان اللغوي هو التصديق وحده ومحله القلب، فلا ينافى أن الإيمان الشرعي يشتمل على الإقرار أو غيره على أنه جزء من حقيقته , لأنا نقول: إن الإيمان من الألفاظ التي نقلت في عرف الشرع إلى معنى، فيجب أن يحمل لفظه على هذا المعنى في خطاب الشرع.

الوجه الثاني: أنه سبحانه جعل الإيمان شرطا لصحة الأعمال في نحو قوله جل ذكره: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [طه:١١٢].

ونحن نقطع أن الشرط شيء غير المشروط، وهذا يصلح للرد على من جعل الإيمان هو الطاعات وحدها أو مع التصديق والإقرار. الوجه الثالث: أنه سبحانه وتعالى أثبت الإيمان لمن ترك بعض الأعمال، في نحو قوله سبحانه: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:٩] ... الآية , ولو كانت الأعمال جزء من حقيقة الإيمان لانتفت الحقيقة بانتفاء جزء منها (٥).

الوجه الرابع: أنه سبحانه وتعالى قد عطف الأعمال على الإيمان في كثير من الآيات، منها قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:١٠٧].

ولا شك أن الأصل أن يكون المعطوف غير المعطوف عليه، فلا يعطف أحد المتساويين على الآخر، ولا يعطف جزء الشيء على كله؟! "


(١) ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص ٤٧ - ٥٧)، مع تحقيق محيى الدين عبد الحميد والمقصود من قوله: "مقابله" مذهب السلف ومن وافقهم.
(٢) ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص ٦٠).
(٣) ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص ٦١).
(٤) رواه ابن ماجه (٣٨٣٤) من حديث أنس رضي الله عنه, وصححه الألباني, وروي عن أم سلمة رضي الله عنها.
(٥) هناك فرق واضح بين من ترك بعض الإعمال ومن ترك جنس العمل بالكلية، وسيأتى تفصيل الرد ... كما أن الفرق واضح بين انتقاء الإيمان ونقصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>