للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: " ولما اختلف العلماء في جهة مدخلية النطق بالشهادتين في حقيقة الإيمان أشار له بقوله: (والنطق) بالشهادتين للمتمكن منه القادر، بأن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وقولنا: للمتمكن منه القادر يخرج به الأخرس، فلا يطالب بالنطق، كمن اخترمته المنية قبل النطق به من غير تراخ".

" (فيه) أي في جهة اعتبار مدخليته في الإيمان، (الخلف) أي الاختلاف متلبسا، (بالتحقيق) أي بالأدلة القائمة على دعوى كل من الفريقين ".

" وفصل الخلاف بقوله: (فقيل) أي: فقال محققوا الأشاعرة والماتريدية وغيرهم: النطق من القادر (شرط) في إجراء أحكام المؤمنين الدنيوية عليه، لأن التصديق القلبى وإن كان إيمانا إلا أنه باطن خفى، فلا بد له من علامة ظاهرة تدل عليه لتناط به تلك الأحكام، هذا فهم الجمهور.

وعليه فمن دق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء بل اتفق له ذلك، فهو مؤمن عند الله مؤمن في أحكام الشرع الدنيوية.

ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه - كالمنافق - فبالعكس حتى نطلع على باطنه فنحكم بكفره.

أما الآبى فكافر في الدارين، والمعذور مؤمن فيهما. وقيل: "إنه شرط في صحة الإيمان (١) , وهو فهم الأقل، والنصوص معاضدة لهذا المذهب، كقوله تعالى: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [المجادلة:٢٢] وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اللهم ثبت قلبى على دينك)) (٢).

ثم استمر في الشرح قائلا: " وقوله: (كالعمل) تشبيه في مطلق الشرطية، يعني أن المختار عند أهل السنة (٣).في الأعمال الصالحة أنها شرط كمال للإيمان، فالتارك لها أو لبعضها من غير استحلال ولا عناد ولا شك في مشروعيتها مؤمن فوت على نفسه الكمال، والآتى بها ممتثلا محصل لأكمل الخصال ".

ثم استدل الشارح على ذلك بوجوه فقال:

١ - " لأن الإيمان هو التصديق فقط، ولا دليل على نقله ".

٢ - وللنصوص الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:١٨٣] , وعلى أن الإيمان والأعمال يتفارقان، كقوله تعالى: آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [البقرة:٢٥]، وعلى أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان، كقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام:٨٢].

٣ - " وللإجماع على أن الإيمان شرط العبادات، والشرط مغاير للمشروط " ثم شرع في شرح القول الثانى:

" (وقيل) أي وقال قوم محققون كالإمام أبى حنيفة وجماعة من الأشاعرة: ليس الإقرار شرطا خارجا عن حقيقة الإيمان، (بل) هو (شطر) أي: جزء منهما وركن داخل فيها دون سائر الأعمال الصالحة (٣)، فالإيمان عندهم اسم لعملي القلب واللسان جميعا، وهما الإقرار والتصديق الجازم الذي ليس معه احتمال نقيض بالفعل "." وعلى هذا فمن صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار في عمره ولا مرة - مع القدرة على ذلك - لا يكون مؤمنا (٤) ولا عند الله تعالى، ولا يستحق دخول الجنة ولا النجاة من الخلود في النار، بخلافه على القول الأول ".

قال: " فعلم من النظم قولان:

أحدهما: أن الإيمان هو التصديق، والنطق شرط لإجراء الأحكام الدنيوية على صاحبه - أو لصحته.

والثاني: أن الإيمان هو التصديق والنطق , فالنطق شطر.


(١) أى ليس مجرد إجراء الأحكام الدنيوية.
(٢) رواه ابن ماجه (٣٨٣٤) من حديث أنس رضي الله عنه, وصححه الألباني, وروي عن أم سلمة رضي الله عنها ..
(٣) يقصد الأشاعرة والماتريدية.
(٤) لعل هنا سقطا هو "لا فى أحكام الدنيا".

<<  <  ج: ص:  >  >>