للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموضوع هذا الخلاف كافر أصلي يريد الدخول في الإسلام، وأما أولاد المسلمين فمؤمنون قطعا، وتجرى عليهم الأحكام الدنيوية ولو لم ينطقوا بالشهادتين طول عمرهم ".

قال: " وقوله شرط: أي خارج عن ماهيته , وهذا القول لمحققي الأشاعرة والماتريدية ولغيرهم. وقد فهم الجمهور أن مرادهم أنه شرط لإجراء أحكام المؤمنين عليهم من التوارث والتناكح والصلاة خلفه وعليه والدفن في مقابر المسلمين ومطالبته بالصلوات والزكوات وغير ذلك، لأن التصديق القلبى - وإن كان إيمانا- (١) إلا أنه باطن خفى، فلا بد له من علامة ظاهرة تدل عليه لتناط - أي تعلق - به تلك الأحكام , فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء، بل اتفق له ذلك , فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الأحكام الدنيوية ".

"ومحل كونه مؤمنا في الأحكام الدنيوية ما لم يطلع على كفره بعلامة كالسجود لصنم، وإلا جرت عليه أحكام الكفر ".

قال: " وفهم الأقل أن مرادهم أنه شرط لصحة الإيمان، وهذا القول كالشطرية في الحكم , وإنما الخلاف بينهما في العبارة، والقول الأول هو الراجح , والنصوص بحسب المتبادر منها مقوية للقول بالشرطية دون الشطرية".

قال: " قوله وقيل بل شطر: أي وقال قوم محققون كالإمام أبى حنيفة وجماعة من الأشاعرة: ليس الإقرار بالشهادتين شرطا بل هو شطر، فيكون الإيمان عند هؤلاء اسما لعملي القلب واللسان جميعا، وهما التصديق والإقرار.

واعترض على هذا القول بأن الإيمان يوجد في المعذور كالأخرس، والشيء لا يوجد بدون شطره.

وأجيب عن ذلك بأنه ركن يحتمل السقوط كما فيمن ذكر، وأما التصديق فإنه ركن لا يحتمل السقوط.

وعلى هذا القول - كالقول بأنه شرط صحة - فمن صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار في عمره لا مرة ولا أكثر من مرة، مع القدرة على ذلك، لا يكون مؤمنا عندنا ولا عند الله تعالى".

قال: " وكل من القولين المذكورين ضعيف، والمعتمد أنه شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وإلا فهو مؤمن عند الله كما مر ".

ويقول ملا علي القارئ الحنفي: " الإقرار شرط إجراء الأحكام وهو مختار الأشاعرة ".ثم قال: " وذهب جمهور المحققين إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، لما أن تصديق القلب أمر باطني لا بد له من علامة، فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله تعالى , وإن لم يكن مؤمنا في أحكام الدنيا. ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق، فهو بالعكس، وهذا اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله" (٢).

٨ - ويقول اللقاني الشارح:" وفسر الإيمان - أي حده - الأشاعرة والماتريدية وغيرهم بالتصديق المعهود شرعا , وهو تصديق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة، بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال (٣).

فلو لم يصدق بوجوب الصلاة ونحوها عند السؤال عنه يكون كافرا. والمراد من تصديقه صلى الله عليه وسلم قبول ما جاء به مع الرضا، بترك التكبر والعناد وبناء الأعمال عليه، لا مجرد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له، حتى يلزم (٤).الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا عالمين بحقيقة نبوته عليه الصلاة والسلام وما جاء به، لأنهم لم يكونوا أذعنوا لذلك ولا قبلوه ولا بنوا الأعمال الصالحة عليه .. ".


(١) الأصل أن يقول: "وإن كان هو الإيمان " وإلا فقد تناقض، لأنه يرجح القول بالشرطية لا الشطرية.
(٢) ((شرح الفقه الأكبر))، (ص٨٦).
(٣) وما كان أخفى من ذلك ففى أى شئ يدخل الإنسان إن لم يدخل فى الإيمان؟!
(٤) كذا، والصواب حتى لا يلزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>