للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تسميه الإيمان عملا فقد عقد أيضا له (باب من قال أن الإيمان هو العمل، لقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:٧٢]. وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:٩٢ - ٩٣]: عن قول لا إله الله. وقال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:٦١]).ثم روى البخاري بسنده عن أبى هريرة ((أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل فضل؟ فقال " إيمان بالله ورسوله " قيل: ثم ماذا؟ قال: " الجهاد في سبيل الله "، قيل: ثم ماذا؟ قال:"حج مبرور)) (١).وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عبيدالله بين أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢). وعن عبدالله بن حبشى الخثعمى (٣) ورواه أبو داود الطيالسى عن أبى هريرة (٤) أيضا ورواه غيرهم عن أبى ذر (٥).

ومن ذلك قوله تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ: ٣٧].

فقوله: بما عملوا يشمل إيمانهم بقلوبهم وأعمالهم الصالحة بجوارحهم المذكورين قبل. وهذا ما فهمه السلف الصالح وأجمعوا على معناه، قال الوليد بن مسلم: " سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد ابن عبدالعزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل. ويقولون: لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان " (٦).

وقد سبق إيراد قول الإمام الأوزعي رحمه الله: " كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل وقول الشافعي رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ أحد الثلاثة إلا بالآخر " (٧).

ولنوضح ذلك بمثالين: أحدهما من أعمال الجوارح والأخر من أعمال القلوب، يظهر في كل منها حقيقة العلاقة التلازمية وحقيقة التفاوت:

١ - الصلاة: وهي من أعمال الجوارح، وقد ورد تسميتها إيمانا في القران، قال تعالي: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:١٤٣] أي صلاتكم إلى بيت المقدس (٨). وهي بلا ريب أعظم شعب الإيمان العملية الظاهرة بعد الشهادتين، فلو تأملنا لوجدنا أنها تشمل أجزاء الإيمان الأربعة، وهي قول القلب: وهو إقراره وتصديقه بوجوبها، وعمل القلب: وهو الانقياد والإذعان بالإرادة الجازمة وتحريك الجوارح لفعلها والنية حال أدائها، وعمل اللسان: وهو القراءة والأذكار الواردة فيها، وعمل الجوارح: وهو القيام والركوع والسجود وغيرها.


(١) رواه البخاري (١٥١٩) ومسلم (٨٣).
(٢) ((المسند)) (٤: ٣٤٢)
(٣) (٣:٤١٢)
(٤) (برقم ٢٥١٨) (ص٣٢٩)
(٥) انظر .. ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (١٤٩٠).
(٦) ((اللالكائي)) (ص: ٨٤٨)
(٧) (ص١٨٨) وانظر ((جامع العلوم والحكم)) (١/ ٥٧) و ((الإيمان)) لابن تيمية (ص٢٨٠).
(٨) انظر ((الفتح)) (١/ ٩٥) كما ورد تسميتها إيمانا في حديث وفد عبد الفيس السابق وغيره، ومع ذلك أخرج المرجئة الصلاة من الإيمان وأولو الآية بأن المراد ليس صلاتكم بل التصديق بها، انظر المواقف (ص ٣٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>