للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ينصح الأمة ويحذرها من الفتنة فيقول: "إياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستيصال"

ثانيا: العمل على جمع الكلمة وتوحيد الصف

لقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفها، وسعوا إلى سد باب الفرقة حتى لو كان على حساب مصلحته، فمصلحة المسلمين أولى، وحقن دمائهم أحرى بالعمل لأجله. وخوفا من الفرقة سارع الصحابة رضي الله عنهم بتولية أبي بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولإدراكهم أهمية جمع كلمة المسلمين على رجل يتولاهم، اجتمعوا رضي الله عنهم على بيعة أبي بكر رضي الله عنه ولم يقضوا شيئا من أمر تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى أحكموا أمر البيعة (١).

لقد كانوا يعلمون أهمية الاجتماع على طاعة الإمام، إذ في الخروج عن أمره ومخالفته زعزعة للأمن وتأليب للناس، وتفريق لجماعة المسلمين لذلك لما حج عثمان رضي الله عنه سنة ٢٩هـ وهو خليفة وأتم الصلاة في منى ولم يقصرها، عاتبه في ذلك عبدالرحمن بن عوف، واعتذر له عثمان رضي الله عنه بأنه قد تزوج بمكة فكان في حكم المقيم لا المسافر، وبأن أناسا من أهل اليمن ظنوا أن الصلاة للمقيم ركعتان، فأتم عثمان رضي الله عنه لذلك. ولما خرج عبدالرحمن بن عوف من عند عثمان لقي عبدالله بن مسعود وخاطبه في ذلك فقال ابن مسعود: "الخلاف شر، قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول "أي نصلي معه أربعا (٢).هذا هو منهج العالمين بأمر الله تعالى، المدركين أهمية الجماعة وخطر الفرقة، وأنه أصل من أصول الدين وقاعدة من قواعده الكلية، لا يقدمون عليه أمر جزئي أو فرعي من أمور الدين (٣).يقول العلامة صالح بن المهدي المقبلي (٤)، مبينا حرص الصحابة على جمع الكلمة، واحتواء الخلاف وتجاوزه من أجل ذلك يقول: "أن أكثر إغضائهم كان لصيانة أخوة الإسلام وحرمة أهله، لا لتساهل في الخلاف، حتى ربما يقضي أحدهم ويترك رأيه خشية شيوع الخلاف"، كقول علي رضي الله عنه: "اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف، حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي" (٥).ونقم ابن مسعود على عثمان رضي الله عنه ترك القصر وتابعه في الصلاة، فقيل له، فقال: "الخلاف كله شر". فتركوا التنويه بالخلاف محاذرة لتفاقم الشر، لا لأنه مرضي عندهم، بل مراد الله تعالى كما شاع في المتأخرين وانتشر، إنما كان المهم المقدم عند أحدهم أن يكون الناس جماعة أو يموت سالما من الفتنة كما قال علي رضي الله عنه (٦).


(١) انظر شرح ((السنة)) للبغوي (١٠/ ٨١، ٧٨ - ٨٤).
(٢) انظر حاشية ((العواصم من القواصم)) لمحب الدين الخطيب (ص٨٩)، وعزاه لـ ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٥٦ - ٥٧)، ((تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار)) للطبري (١/ ٢٢٤ - ٢٢٦) ((مسند عمر بن الخطاب))، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (٧/ ١٥٤).
(٣) انظر ((الموافقات)) للشاطبي (٤/ ٥٣٥).
(٤) وهو: صالح بن مهدي بن علي المقبلي، مجتهد، من أعيان الفقهاء، ولد في قرية مقبل في اليمن، كان على مذهب الإمام زيد، ترك اليمن ورحل إلى مكة فاشتهر وكتب فيها مؤلفاته وتوفي بها، من كتبه: "الإتحاف لطلبة الكشاف" توفي سنة ١١٠٨ هـ انظر ((الأعلام)) (٣/ ١٩٧).
(٥) رواه البخاري (٣٧٠٧).
(٦) ((العلم الشامخ)) (ص ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>