للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فانه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأعماله - كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ [آل عمران: ٣٢] أي تخالفوا عن أمره فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: ٣٢]، فدل على إن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك - وان ادعى وزعم في نفسه انه محب لله، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) (١).

ونواصل مع ابن القيم رحمه الله حيث يقول: " فانتفاء محبتهم لله لازم لانتفاء المتابعة لرسوله، وانتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة الله لهم - فيستحيل إذا ثبوت محبتهم لله وثبوت محبة الله لهم بدون المتابعة لرسوله.

ودل على إن متابعة الرسول صلي الله عليه وسلم هي حب الله ورسوله، وطاعة أمره، ولا يكفي ذلك في العبودية - حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما، فلا يكون عنده شيء احب إليه من الله ورسوله، ومتى كان عنده شيء احب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه البتة، ولا يهديه الله - قال الله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:٢٤] فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة الله ورسوله، أو قول أحد منهم على قول الله ورسوله، أو مرضاة أحد منهم على مرضاة الله ورسوله، أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف الله ورجائه والتوكل عليه، أو معاملة أحدهم على معاملة الله - فهو ممن ليس الله ورسوله احب إليه مما سواهما، وان قال بلسانه فهو كذب منه، وإخبار بخلاف ما هو عليه.

وكذلك من قدم حكم أحد على حكم الله ورسوله، فذلك المقدم عنده احب إليه من الله ورسوله، لكن قد يشتبه الأمر على من يقول قول أحد، أو حكمه، أو طاعته، أو مرضاته، ظنا منه انه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلا ما قاله الرسول - فيطيعه، ويحاكم إليه، ويتلقى أقواله كذلك، فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك.

وأما إذا قدر على الوصول إلى الرسول، وعرف إن غير من اتبعه هو أولى به مطلقا، أو في بعض الأمور، ولم يلتفت إلى الرسول ولا إلى من هو أولى به - فهذا الذي يخاف عليه، وهو داخل تحت الوعيد، فإن استحل عقوبة من خالفه وأذله، ولم يوافقه على اتباع شيخه فهو من الظلمة المعتدين، وقد جعل الله لكل شيء قدرا " (٢).ويقول رحمه الله في بيان بعض لوازم محبته صلى الله عليه وسلم وهو الأدب معه: "رأس الأدب معه: كمال التسليم والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون إن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم.

فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان - كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.


(١) [٤٤٠١] رواه البخاري ومسلم رقم ٤٤
(٢) [٤٤٠٢] ((مدارج السالكين)) (١/ ٩٩ - ١٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>