وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: ٤٨ - ٥٠].
وقال جل ذكره:
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ [الجاثية: ١٨ - ٢٠].
فكما سبق بيانه من أن تحكيم شرع الله هو الإسلام، فإذا بلغ من العبد إلى حد انتفاء الحرج والمعارضة بالرضا الكامل فهو الإحسان، فكذلك اعتقاد بطلان ما عداه، وأنه وحده الحق الذي لا أحسن منه ولا أهدى هو درجة الإسلام، فإذا رسخ هذا حتى لا تزعزعه شبهه ولا يعتريه شك فهو اليقين وقد ضرب الصحابة - رضى الله عنهم - من اليقين في أمر الله أعظم الأمثال، مما لا يتسع المقال للتطويل به، وحسبك أن ينزل الله تحريم الخمر والقوم مدمنون على شربها، مدخرون لها، مغالون في أثمانها، فما يكاد الأمر ينزل حتى تسيل بها أزقة المدينة أنهارا!!
وأن ينزل الله الأمر بالحجاب والقوم مختلطون متعارفون، فما يكاد ذلك يبلغهم حتى تغدو نساؤهم كأنهن الغربان.
فهاتان عادتان إحداهما نفسية، والأخرى اجتماعية، وهما من أشد العادات وطئا وأشقها تغييرا، تذهبان دفعة واحدة، وتستأصلان من أعماق النفوس في لحظة واحدة، وما ذلك إلا باليقين الذي ليس وراءه في الأمم يقين.
٤ - الصدق والإخلاص:
هذان عملان قلبيان من أعظم أعمال القلوب وأهم أصول الإيمان.
فأما الصدق فهو الفرقان بين الإيمان والنفاق، وأما الإخلاص فهو الفرقان بين التوحيد والشرك - في قول القلب واعتقاده، أو في إرادته ونيته.
والأعمال - التي رأسها وأعظمها " شهادة أن لا إله إلا الله " - لا تقبل إلا بتحقيق الصدق والإخلاص.
ومن هنا كان شرطين من شروطها، وأكذب الله المنافقين في دعوى الإيمان وقول الشهادة لانتفاء الصدق فقال: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:١].
وقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: ٣]
ثم قال بعد آيات وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [العنكبوت:١١]
وقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب: ٢٤].